الجمعة، 1 فبراير 2013

مفهوم السيادة الغذائية

يتتبع الراي العام الوطني باهتمام وقلق شديدين ما تتناقله الصحف والجرائد حول ازمة الخبز ببلادنا ويتساءل المواطنون والمواطنات عن اسباب هذه الازمة التي تخيم على مادة اساسية في غذائهم رغم الحضور القوي لمخطط المغرب الاخضر في الاعلام السمعي البصري والذي يتم تقديمه في مختلف المعارض الفلاحية الكبرى بمختلف مناطق البلاد كسياسة فلاحية جديد ة تستطيع تجاوز جميع المعيقات والاختلالات التي عاشتها فلاحتنا وتوفير انتاج زراعي يضمن الغذاء للشعب المغربي ويؤمن حاجياته من المواد الاساسية. لقد تجسدت هذه الازمة في النفاذ المرتقب لمخزون الحبوب وخاصة القمح والذي لا يتجاوز ثلاثة اشهر وفي تخبط المسئولين وعدم صمود تطميناتهم امام الاستعصاء الذي يواجههم في استيراد هذه المادة الاساسية ورفض اصدقاء المغرب الرسمي الاستجابة لطلباتهم رغم الاتفاقيات المجحفة التي ابرموها في هذا المجال مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة. وكان اخر الاجراءات ، فتح الحدود في وجه المستوردين وتشجيعهم بإعفائهم من الرسوم الجمركية (المال لعام) ابتداء من فاتح أكتوبر إلى غاية  31 دجنبر.
 امام هذا الوضع الخطير سنحاول الاجابة على تساؤل المواطنين والمواطنات وفك رموز سر التبعية الغذائية الهيكلية التي يعيشها المغرب والتي تتجاوز مادة القمح لتشمل السكر والزيت رغم مليارات الدراهم التي ضخها مخطط المغرب الاخضر خلال الاربع سنوات الاخيرة في المجال الفلاحي. ومن الملاحظ ان المسئولين يحاولون حصر اسباب تبعيتنا في المواد الغذائية الاساسية ومنها الحبوب (القمح اساسا)  في الجفاف وتوالي السنوات العجاف متناسين ان الدراسات العلمية اثبتت ان هذه الظاهر الطبيعية اصبحت هيكلية منذ بداية الثمانينات وأنها معطى ثابت يجب اخذه بعين الاعتبار في كل سياسة فلاحية.
جدول يوضح تقلبات مردود الحبوب حسب التساقطات
ان الجميع يعرف ان الفلاحة المغربية ظلت وما تزال هشة ، غير مؤهلة ولم تهتم السياسات المتعاقبة للدولة خلال اكثر من نصف قرن بوضع سياسة تضمن السيادة الغذائية للشعب المغربي كما لم تظهر أي ارادة حقيقية لتجاوز المعيقات الاقتصادية والاجتماعية والبيئة المعرقلة للتنمية الفلاحية والقروية التي تستجيب لحاجيات المواطنات والمواطنين المغاربة ولرفاهية الإنسان القروي الذي يعيش القهر والإقصاء والتهميش.
وإذا استثنينا المعطى الطبيعي المرتبط بالمناخ والتساقطات والمذكور سابقا والذي يتذرع به المسئولون حيث يضع ما يقرب من 90 في المائة من الاراضي الصالحة للزراعة تحت رحمة التساقطات المطرية القليلة وغير ألمنتظمة، هناك معيقات كثيرة كرستها السياسة الطبقية في المجال الفلاحي. فإلى جانب التوزيع غير العادل للأراضي والمياه والحجم الصغير للاستغلاليات الفلاحية (75 في المائة)وبالتالي كثرة الفلاحين الصغار (ازيد من مليون فلاح) الذين يكدحون في ظروف قاسية لينتجوا بالكاد ما يبقيهم وعائلاتهم على قيد الحياة، هناك معيقات سياسية واجتماعية وثقافية مرتبطة بالمجال القروي والإنسان القروي الكادح الذي يعيش القهر والتخلف والأمية والمرض في غياب البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية التي تتطلبها الحياة الكريمة ويرزح تحت وطأة سيطرة المستغلين والسماسرة وكبار الملاكين والأعيان في ظل استمرار الديمقراطية المزيفة التي تحرمه من أخذ الكلمة وتقرير مضيره ومواجهة الاستغلال.
قبل الخوض في الاسباب الحقيقية، في نظري، التي ادت الى تبعية بلادنا في المواد الاساسية والتفريط الممنهج في السيادة الغذائية لبلادنا ووضع المواطنات والمواطنين في حالة خوف دائم من شبح أزمة الخبز المتكررة - رغم الخمس مليون هكتار التي تخصص لزراعة الحبوب (أزيد من 60 في المائة من المساحة الصالحة للزراعة)- لابد من الوقوف على بعض المعطيات الرسمية (نشرة بنك المغرب مارس 2012) الصادمة التي تبين بوضوح عجزنا في الميزان التجاري الغذائي ونقتصر في هذا الصدد على مقارنة قيمة صادراتنا (بمليار درهم) من الطماطم وقيمة وارداتنا (بمليار درهم) من القمح بين 2005 و2011  لنكتشف ان على المغرب دفع ما يعادل قيمة اربع سنوات من تصدير الطماطم لأداء مستحقات سنة واحدة من واردات القمح.

السنوات
2005
2006
2007
2008
2009
2010
2011


الطماطم
1,251
1,281
2,157
2,036
2,048
2,084
2,711


القمح
4,150
3,087
9,410
12,43
5,482
7,4
11,52

اما عجز الميزان التجاري المتعلق بخانة "الغذاء والمشروبات والتبغ" فقد بلغ سنة 2011 12,421 مليار درهم.
بالنسبة للشمندر السكري، الذي لا يتأثر بالتساقطات المطرية لأنه يزرع في الاراضي المسقية، فقد تراجعت مساحته بين 2007 و2010 بــ 13400 هكتار كما تراجع انتاجه الاجمالي خلال نفس المدة بــ5 مليون قنطار وذلك في عز مخطط المغرب الاخضر واحتكار كوزيمار لصناعة السكر. وفي نفس الاتجاه تدهورت نسبة تغطية حاجيات المواطنين والمواطنات في مادة السكر لتصل 25 في المائة سنة 2012 علما ان شركة كوزيمار قد تعهدت في اطار مخطط المغرب الاخضر بتحقيق 50 في المائة على الأقل بعد ان كان انتاج فلاحتنا يوفر ازيد من 60 في المائة في السابق.
اما فيما يخص مادة زيت المائدة فالواردات تفوق 90 في المائة من حاجياتنا ويمكن ان نقول ان تبعيتنا للأسواق الخارجية بالنسبة لهذه المادة شبه مطلقة.
نلاحظ إذن من خلال هذه المعطيات ان السياسات الفلاحية بما فيها مخطط المغرب الاخضر لم تستطع توفير المواد الاساسية للشعب المغربي (الخبز والزيت والسكر).
وهنا سنحاول ملامسة الاسباب الحقيقية التي عمقت التبعية الغذائية للأسواق الخارجية في المواد الاساسية والتي لا يمكن فهمها إلا اذا عرفنا ان هذه التبعية ناتجة عن السياسة الفلاحية التي تنهجها الكتلة الطبقية السائدة ببلادنا حيث يتم اخضاع الاقتصاد للتوجهات السياسية للدولة كراعية لمصالح الطبقات السائدة والمرتبطة بالتقسيم الدولي للعمل وانصياعها إلى توجيهات وأوامر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والخضوع للرأسمال الامبريالي عبر اتفاقيات التبادل الحر المجحفة والانخراط في المنظمة العالمية للتجارة.   
لقد اصبحت الفلاحة منذ عدة سنوات، وخاصة منذ حلول الازمة المالية والاقتصادية للرأسمالية، مجالا خصبا للرأسمال العالمي عبر شراء الاراضي لإنتاج الهيدروكاربونيات وإلحاق آلاف الهكتارات منها للتحكم في انتاج البذور واحتكار توزيعها وخوصصة المعارف في هذا المجال.
إن السياسات المتبعة من طرف العالم الامبريالي تضع مفاتيح غذاء الشعوب بين يد كمشة من الرأسماليين والمضاربين وكبار الملاكين العقاريين وذوي الجاه والسلطة وتهدف اخضاع الفلاحة والعمال الزراعيين والفلاحين الكادحين لمعايير الفلاحة الصناعية التي تفرضها الشركات العابرة للقارات المتحكمة في الصناعات الكيميائية والغذائية ليصبح سلاح الغذاء ، اكثر من اي وقت مضى، واقعا مخيفا.
ان عدم استقرار المواد الغذائية الاساسية الناتج عن هذا الاحتكار الرأسمالي العالمي لغذاء الشعوب يؤدي الى خراب الفلاحين الكادحين. كما ان الغلاء المتصاعد لهذه المواد يزيد من عدد الجياع في العالم، وما انتفاضات الخبز التي اندلعت سنة 2008 في الدول المغاربية والعربية والإفريقية إلا دليل على الفزع والخوف الشديدين لشعوب هذه المناطق من عدم قدرتها على اقتناء غذائها. وتجدر الاشارة في هذا الصدد ان عدد الجياع في العالم يتفاقم (ازيد من مليار نسمة يعيشون جوعا دائما ) حيث اصبح هدف الالفية فيما يخص التقليص من الجوع في العالم حلما بعيد المنال.
ان التدهور المتفاقم للوضع الغدائي العالمي الذي تعاني منه الشعوب يفرض على السياسات الاقتصادية الوطنية ان تضع السيادة الغذائية في قلب اهتماماتها مع اعتبار ان ضمان الغذاء ليس مشكلا مرتبطا بخصوبة الارض وليس مشكلا تقنيا لان الكرة الارضية بإمكانها توفير الغذاء لساكنتها الحالية وللأجيال القادمة. إن الغذاء مشكل سياسي ورهان عالمي. وتبقى الفلاحة شأن الدولة ومسؤولياتها في التنظيم الجماعي لتعبئة الموارد الفلاحية والسهر على التوزيع العادل  لفوائد الانتاج الفلاحي وذلك لان المستثمرين الخواص المحكومين بتراكم الارباح لا يمكن ان يقوموا مقام التزام الدولة في هذا المجال الحيوي للشعوب,
في هذا الاطار يجب مسائلة الدولة المغربية والكشف عن طبيعة سياستها الفلاحية المتجسدة في مخطط المغرب الاخضر والوقوف على التزامها من عدمه بضمان السيادة الغذائية للشعب المغربي.
إن المعطيات التي استعرضناها سابقا تؤكد بالملموس ان الدولة المغربية، بسياساتها المتعاقبة في المجال الفلاحي، لم تلتزم وان السياسة الجديدة المتجسدة في مخطط المغرب الاخضر كرست تخلي الدولة عن مسؤولياتها في توفير المواد الاساسية للمواطنين والمواطنات وما فتئت تعمق التبعية الغذائية لبلادنا عبر دعمها الهائل لكبار الملاكين العقاريين وذوي الجاه والسلطة والاستثمار الاجنبي وخلق أعيان جدد بالبادية من خلال تمكينهم من الاراضي والمياه والإعانات في اطار "الشراكة – التجميع" وتحت يافطة تأهيل الفلاحة ذات القيمة المضافة والرفع من التنافسية وتطوير الصادرات. كل هذا على حساب المنتجين الحقيقيين والفلاحين الكادحين المرتبطين بالأرض والمؤهلين لضمان الحاجيات الغذائية للشعب المغربي وتزويد السوق الداخلي . ان مخطط المغرب الاخضر سياسة فلاحية تمييزية وطبقية معلنة .
         - اتت بالمزيد من الاعانات لكبار المزارعين الرأسماليين والملاكين العقاريين ورجال الاعمال عبر الشراكة (الخوصصة المقنعة) وتركيز وسائل الإنتاج في يد أقلية احتكارية (الأراضي الصالحة للزراعة – بما فيها الجماعية- ، المياه، المعدات والبنية التحتية)
         - اخضاع انتقائي للفلاحين الصغار والمتوسطين لعملية التجميع وتم استبعاد العديد     من المفاهيم في هذه العملية كالتعاونيات والعمل الجماعي التضامني للمنتجين
        - تجاهل الاغلبية الساحقة من الفلاحين الكادحين
ومن اجل بلورة استراجيته وظف الخبرات الخارجية ( ماكنزي) وفتح سوق الخبرة الفلاحية لمكاتب الدراسات الاجنبية مهمشا بذلك الخبرات الوطنية. وقد شمل هذا التهميش كل المرافق العمومية الوطنية حيث تدهورت الموارد المتاحة للبحث الزراعي والتعليم الفلاحي وخدمات الدعم والتوجيه وصحة وسلامة المواد الغذائية  والتنمية القروية مما يعمق تآكل وفقدان التمكن من اسس ومقومات السيادة الغذائية.
انطلاقا مما سبق نلاحظ ان مخطط المغرب الاخضر لم يهتم نهائيا بالسيادة الغذائية و من اراد ان يتأكد يكفي ان يتصفح التقرير المرحلي 2008-2011 الصادر عن وزارة الفلاحة ليكتشف الغياب التام حتى لمفهوم الامن الغذائي. انها سياسة فلاحية منحازة كليا لمصالح المصدرين والمستوردين وكبار المستثمرين اعتبرت كل ما يرتبط بالفلاحين الكادحين
 عقابا للمستهلك و عبئا على المال العام حيث جاء في التقرير السالف الذكر(ص 10)
مايلــــــــــــــــي :
« la domination toujours très nette des filières nationales dites"  sociales" à faible valeur ajoutée et souvent à faible productivité, surprotégées et pénalisant au final le consommateur et le budget de l'Etat »
بعد الاطلاع على معطيات التبعية الغدائية الصارخة لبلادنا في المواد الاساسية  وأسبابها الحقيقية والإقصاء المتعمد والممنهج للسيادة الغذائية يتضح ان مواجهة هذا الوضع يستوجب تعبئة واستنهاض كل الطاقات النقابية والسياسية الديمقراطية والتقدمية وكل مناصري ومناصرات قضايا الشعب المغربي الالتفاف حول شعار "لا سيادة غذائية ولا عيش كريم دون تنمية قروية حقيقية شاملة" وان تكون ركيزة هذا الشعار القيام بإصلاح زراعي شامل وديمقراطي يعطي  الماء والإعانات والأرض لمن يكدح بها ويعيد للدولة دورها التأطيري والتاهيلي في اطار سياسة وطنية تربط بين التنمية الفلاحية والقروية وتجعل الانسان القروي الكادح (عاملات وعمال زراعيين وفلاحين كادحين) محور هذه التنمية وذلك عبر تمتيعه بكافة حقوقه الانسانية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ورفع الوصاية والهيمنة المخزنية عن تنظيماته النقابية والجماهرية وإعادة الاعتبار للتعاونيات الفلاحية والعمل الجماعي التضامني للمنتجين والمنتجات. انه ، في نظري الطريق الصحيح لتحقيق سيادة غذائية تحرر الشعب المغربي والقضاء على الخوف ،الدائم الذي يعيشه، من عدم حصوله على حاجياته من المواد الغذائية الاساسية كما يحرر بلادنا من التبعية الغذائية والاقتصادية للرأسمال العالمي والأسواق الخارجية .
انتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى
مفهوم السيادة الغدائية

تم طرح هذا المفهوم لاول مرة سنة 1996 من طرف  via campesina ( الحركة التنسيقية العالمية للفلاحين الصغار) في قمة منظمة الأغذية العالمية
"السيادة الغذائية تعني حق  الشعوب ودولهم في تحديد سياسة فلاحية وغذائية بشكل مستقل ودون تدخل او اغراق (Dumping) من طرف عناصر خارجية"
وقد تطور هذا المفهوم بعد ذلك خلال القمم الكبرى للمنتديات الاجتماعية ليؤكد على "ضرورة اعطاء الاولوية للإنتاج الفلاحي المحلي والمواد الغذائية والأساسية للشعوب والقيام بالإصلاحات الزراعية وضمان حرية الحصول على البذور وإعطاء حق حماية منتوجاتها الوطنية وإشراك الشعوب في بلورة السياسة الفلاحية لبلدانهم"
ويتضح من تعريف مفهوم السيادة الغذائية ان مضمونها يتناقض مع المنظمة العالمية للتجارة خادمة الرأسمال العالمي.
فركاش م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق