الندوة الدولية للمعهد العالي لتاريخ الحركة
الوطنية: هل حادت الثورة التونسية عن وجهتها؟ وإلى أين تسير؟ - أكد علية العلاني
أستاذ وباحث جامعي خلال ندوة دولية نظمها المعهد العالي لتاريخ الحركة
الوطنية بعنوان "ثورات.. مقاربة للانتفاضات والثورات (قرن19-21) أيّام
17-18 و19 جانفي بمشاركة خبراء ومؤرخين تونسيين واجانب.
ان الاسلاميين والسلفيين لم يكونوا وقود الثورة ومشاركتهم
فيها كانت بعد تأكدهم من هروب الرئيس السابق وسقوط نظامه مبينا ان ذلك لا
يعنى ان التيارات الدينية لم تكن موجودة في المشهد السياسي بل كانت تعمل
سابقا في اطار السرية بسبب المطاردات والمحاكمات وسياسة التهجير التى
اعتمدها النظام السابق لضرب خصومه الاسلاميين. وسلّط العلاني الضوء على
الدور الرئيسي الذي لعبه الدين الاسلامي في الفترة الاستعمارية بكل فصائله
من الزيتونة الى بعض الطرق الصوفية إضافة الى رجال الاصلاح لمقاومة
الاستعمار.
وفي مداخلته حول الاسلاميين في تونس بعد الثورة بين
التوظيف والتأطير اوضح الباحث في الجامعات الاسلامية ان الرؤية الدينية بعد
الاستقلال كانت محل تنازل، وفي غياب سياسة دينية تنويرية لدولة الاستقلال
بدأت الهوة تتسع بين الاسلام الرسمي والاسلام السياسي وبلغ التناقض اوجه في
بداية السبعينات مع ولادة الحركة الاسلامية بقيادة الغنوشي ساعدتها جملة
من العوامل الداخلية والخارجية وأصبح الاسلام السياسي المنافس والخصم
الرئيسي للاسلام الرسمي.
ومع تقلص هامش الحريات في عهدي بورقيبة وبن
علي وما عاناه الاسلاميون من اضطهاد وقمع، كان من الطبيعي ان تمنح ثورة 14
جانفي الفرصة لانصار التيار الاسلام السياسي للبروز وطرح رؤيته، ومقاربته
في الحكم، واليوم وبعد سنة من حكم التيار الديني بدا الرأي العام والنخب
يلمسون نوعا من التماثل بين سياسة الحكم السابق والحكم الجديد في التعامل
مع الاسلام حيث تعددت الخطب والمقالات التى تعتبر ان نقد حركة النهضة مس من
الاسلام وبقيت المرجعيات الدينية مختلفة بين الاسلام المحلي التى تتمثل في
مرجعية رجال الاصلاح في القرن 19 وبداية القرن ال20 والاسلام السياسي الذي
تقوده حركة النهضة بمرجعيتها الاخوانية التى لا تؤمن في جوهرها بالمسألة
الديمقراطية بالمعنى الكوني. وقال العلاني ان المؤتمر الاخير لحركة النهضة
طوّر خطابها السياسي لكن في المقابل لم يطور الخطاب الايديولوجي اوالارضية
الايديولوجية للحركة.
وبخصوص تفادي التوظيف الديني اعتبر الاستاذ
علية العلاني انه لابد ان يتم تقديم تصورات في اطار تأطير وتوظيف المسالة
الدينية في اتجاه يخدم الدولة المدنية الديمقراطية ولا يجهضها موضحا ان
امكانية تفادي توظيف الدين عبر الاتفاق حول نمط المجتمع الذي نريد والتوافق
بين الفرقاء السياسيين حول دور الدين في الحياة العامة وعلاقة الهوية
بالحداثة بالاضافة الى ارساء حوار جدي حول الاسلام ومدنية الدولة
والديمقراطية والحداثة.
مدخل
لانتفاضة مجهضة".. ام مسار ثوري طبيعي!
وفي مداخلته حول
""الثورات وبعد"؟ قدم خالد عبيد المؤرخ الجامعي والأستاذ في التاريخ
السياسي المعاصر جملة من التساؤلات حول مفاهيم تتعلق بالثورة والمسار
الثوري والثورة المضادة، مشيرا الى الصعوبة التى تعترض المؤرخ عند التطرق
الى حدث آني ومدى قدرة المؤرخ على التخلص من الذاتي وتناول الاحداث بطريقة
موضوعية إذ ان الشعب يعيش حاليا زمنا لم ينته بعد لانه ببساطة في طور
التشكل.
" هل نحن فعلا نعيش مسارا ثوريا أصيلا؟"وهل كل ما يحدث يمكن
اعتباره ارهاصات طبيعية متوقعة لن تدوم بالتأكيد في انتظار استكمال المسار
الى نهايته؟" وهل ما نعيشه هو مشروع اجهاض ثورة؟" وتساءل عبيد هل يمكن
تعريف الثورة على انها ازمة انفجرت او انتفاضة ذات طابع ثوري او انها تغيير
عميق وجذري، إذ اعتبر ان المسار الثوري يتطلب "تثويرا" على مستوى العقول
والعقلية لكن في المقابل يرى ان هناك من يرى ان الثورة حادت عن مهامها.
واعتبر في مقاربته ان كل ما حدث انتفاضة تمكنت من الاجهاز على نظام ظاهريا
والثابت انها لم تقدر على تجسيم ما قامت لأجله.
وفي نفس السياق بين
ان "الصراع" الان بات بين من يعتقد انه انجز "ثورة" ويعمل على تجسيمها وبين
من يعتقد انه ان الاوان لتحقيق مشروع أجهض في بداية التسعينات وقد تم
تهيئته انطلاق من هذه الانتفاضة مع تبنى طرفي الصراع لنفس الشعارت"الثورة
المضادة" و"الالتفاف على أهداف الثورة" و"فلول النظام البائد".
"جوهرة الهامشي وتهميش الجوهري"
وفي
مداخلته حول تونس الى أين؟ لاحظ امين محفوظ ان التساؤل الى أين؟ يدخل في
اطار التنبيه الى مسارات ومنعرجات الثورة لغياب نضج معين لتوجيه مسار
الثورة مرتكزا على عاملين أساسيين متمثلين في فشل التعامل مع الزمن من جهة
وغياب رؤية واضحة ودقيقة.
وأقرّ استاذ القانون بأن سوء ادارة
المرحلة الانتقالية الثانية ناتج عن مجموعة من العوامل منها قرار انتخاب
المجلس الوطني التأسيسي الذي كان خيار الاحزاب و التيارات السياسية من اجل
صياغة دستور جديد يلبى تطلعات التونسيين للحرية والديمقراطية والكرامة
مشيرا الى تحول المجلس التأسيسي عن مهمته الاصلية الى مسائل فرعية منها
مراقبة اداء الحكومة وعدم احترام السنة والتاريخ لصياغة الدستور الجديد
والانتقال الى "جوهرة الهامشي وتهميش الجوهري". واعتبر الخبير القانوني ان
سوء التعامل مع الزمن يعقد الوضع العام ويهدد المنظومة والقيم مشيرا إلى
غياب الرؤية في صياغة الدستور الجديد خاصة وان مسودة الدستور احتوت على
العديد من الاخلالات ومسائل تثير القلق.
وفي قراءة في مسودة مشروع
الدستور أشار الى ان التوطئة اعتمدت على لغة انشائية ولا مدلول قانوني لها
في حين كان من الضروري ان تكون صياغة التوطئة قانونية،وان مسودة الدستور
تشوبها عديد النقائص والاخلالات خاصة في ما يتعلق بمسألة كونية الحقوق
والحريات، كما أن الفصل 148 من الدستور الجديد يهدد الطبيعة المدنية
للدولة. بخصوص باب التنظيم بين السلط قال امين محفوظ ان الدستور سيفرز
نظاما سياسيا غارقا في الأزمات مبينا ان الخطر القادم يكمن في التصادم بين
رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق