السبت، 26 يناير 2013

فرنسا تواجه عقبات في مالي قد تطيل مهمتها وتعزز مخاوف 'افغانستان جديدة' في الصحراء الافريقية الجيش المالي اضعف من الاسلاميين..


الدعوات التي وجهتها كل من بريطانيا والمانيا وهولندا لرعاياها بمغادرة مدينة بنغازي الليبية 'حالا' تشير الى حالة الخوف التي نتجت عن الهجوم على منشأة الغاز الجزائرية في عين اميناس والتي قالت مصادر امنية ان المنفذين للعملية التي انتهت نهاية دموية اشتروا اسلحتهم من ثوار الزنتان في جبال نفوسة، وان مشاركين في تنفيذ عملية القنصلية الامريكية في بنغازي ايلول (سبتمبر) 2012 شاركوا في التخطيط للعملية في الجزائر.
ويرى مسؤولون امنيون دفاعيون ان التحذيرات الغربية مرتبطة بنشاطات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي قام احد فروعه بتنفيذ العملية في شرق الجزائر.
وترى تقارير بريطانية ان التهديدات للرعايا البريطانيين تنبع من نشاطات لـ 'انصار الشريعة' في ليبيا والتي اخرج متظاهرون ليبيون غاضبون عناصرها من المدينة بعد مقتل السفير الامريكي كريستوفر ستيفنز وعدد من افراد طاقم القنصلية.
وتقول صحيفة 'اندبندنت' البريطانية ان تقارير امنية من مصر ورسائل تم اعتراضها في بوركينا فاسو والجزئر كانت السبب الذي اصدرت فيه الخارجية البريطانية تحذيراتها. ومع ان السلطات الليبية اعتبرت التحذير لامبرر له، خاصة ان المدينة التي شهدت ولادة الثورة الليبية والتي انهت اربعين عاما من حكم العقيد معمر القذافي تعتبر مركز النشاط التجاري في شرق البلاد.
ولكن الاستخبارات الاجنبية ترى انها اصبحت ايضا مركزا لنشاطات الجهاديين وان افرادا من 'انصار الشريعة' ظلوا في المدينة بعد الهجوم على مراكزها. وكان سير ديريك داروتش، مستشار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لشؤون الامن القومي قد عقد اجتماعا مع رئيس الوزراء الليبي علي زيدان وكان على الامن محور المحادثات. وكان رعايا فرنسيون من بينهم اطباء يعملون في مستشفيات المدينة قد غادروا خشية عمليات انتقامية ضدهم بسبب العملية العسكرية التي تقوم بها بلادهم في مالي.
ولا تزال اثار عملية عين اميناس يتردد صداها في العواصم الغربية، وادت الى اتخاذ دول كبريطانيا قرارات بتوجيه جهودها لملاحقة تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به في المنطقةـ ودعم الحملة العسكرية في شمال مالي معقل الجماعات الاسلامية المتشددة فيها.

مهربون ام جهاديون عالميون؟

ومع ان المخاوف حقيقية خاصة بعد الهجوم الدموي في المنشأة الا ان التصريحات التي اطلقها مسؤولون غربيون خاصة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن 'التهديد العالمي الذي تمثله هذه الجماعات مما يستدعي 'ردا عالميا' واعاد كاميرون استخدام لغة جورج بوش- الرئيس الامريكي السابق، وتوني بلير سلف كاميرون السابق، حول ما تمثله هذه الجماعات من خطر لانها كما قال 'تريد تدمير طريقة حياتنا، ولانها تؤمن بالقتل وقتل اكبر عدد ممكن'. وقد دعا هذا الى المعلق في مجلة 'تايم' فريد زكريا الذي كتب على النسخة الالكترونية متسائلا ان كانت الجماعة المنفذة- جماعة مختار بلمختار، تمثل فرعا من فروع القاعدة وان كان للتنظيم هذا اهدافا دولية، ويرى انه من الضرورة فهم طبيعة هذه الجماعات حتى نصمم ردا مناسبا لها.
ومن هنا يعيد الكاتب قراءة اصول الجماعة 'الملثمون' او 'الموقعون بالدم' التي قادت العملية ويربطها بتاريخ الجزائر الدموي في العقد الاخير من القرن الماضي.
ويشير الى ان الجماعات الجهادية لم تستهدف طوال معركتها مع الحكومة اي بنى تحتية من مثل انابيب النفط التي تمتد الالاف الاميال امام النظر، لان هدفها لم يكن تدمير العالم بل الحكومة.
ويعتقد ان سبب نجاة هذه الجماعات على الرغم من القسوة التي اتسم بها رد الحكومة وقواتها الامنية ليس له علاقة بالايديولوجية التي جذبت المواطنين بل من خلال نشاطاتها الاجرامية، تهريب المخدرات والخطف، حيث كانت فدية الرهينة الغربية يصل الى 5.4 مليون دولار وهذا هو الثمن المطلوب على الرأس في عام 2011.
ويقول زكريا ان المفترض ان الهجوم في الجزائر كان ردا على التدخل الفرنسي في مالي، حيث كان عبارة عن محاولة من بملختار لاظهار الدعم لحليفه اياد اغ غالي، زعيم انصار الدين الذي قضى حياته مقاتلا ليس من اجل الاسلام ولكن من قضية الطوارق.
ويرى ان سيطرته على الشمال كانت ردا على الانقلاب الذي قامت به مجموعة عسكرية ضد الحكومة الديمقراطية.
وينتهي الكاتب بالقول ان الجماعات الجهادية هذه مكونة من آبقين محليين لديهم مظالم مزمنة، ولا صلة لها بالجهاد العالمي.
ومع ان الارهاب مربح لهم، لكن تراجع الدعم لمظالمهم ادى بهم الى الارتباط بالقاعدة في محاولة منهم لجلب الانتباه اليهم.
وذكر بما قاله زعيم القاعدة اسامة بن لادن عام 2004 'كل ما يمكن عمله ارسال مجاهدين لاقصى نقطة في الشرق ليرفعا قطعة قماش مكتوب عليها القاعدة، حتى يلحق بهما الجنرالات الامريكيين ونتسبب بالمعاناة الانسانية لامريكا وخسائر اقتصادية وسياسية لها'. ويقول ان برفع مستوى هذه الجماعات 'الابقين والمهربين' الى مستوى جهاد عالمي يعني الوقوع في مصيدتهم والسؤال الان هو هل وقعت فرنسا في المصيدة فعلا.

وضع فرنسا صعب

فعندما اعلنت الحكومة الفرنسية عن عملياتها ضد الجهاديين في شمال مالي قالت انهم لن يصمدوا امام العتاد العسكري الحديث طويلا، لكن وبعد اكثر من اسبوعين بدأت فرنسا تستفيق على الواقع وتكتشف ان الوضع في الصحراء اعقد مما كانت تتوقع.
وفي غياب استراتيجية واضحة للخروج تواجه القوات الفرنسية عددا من المشاكل. فالحكومة الانتقالية في مالي ضعيفة، جيشها غير منظم ويفتقد العتاد العسكري، كما ان القوات الافريقية التي وعد بوصولها لم تصل، ويخشى الجيش الفرنسي من قتل المدنيين لصعوبة التفريق بينهم وبين المتعاطفين مع الجماعات الجهادية، ويضاف الى هذه القائمة مشاكل من الصراعات والتناحرات القبلية ومحاولة كل طرف الانتقام من الاخر وتصفية الحسابات. وتشير صحيفة 'واشنطن بوست' ان الجيش المالي الذي تحاول فرنسا تعزيز قوته من خلال تدخلها، اتهم بانتهاكات ضد مجموعات من الطوارق، مما يؤدي الى تراجع الدعم الشعبي للحملة في مالي وفي فرنسا ايضا.
ونقلت عن شيخ قبلي قوله انه من الصعوبة بمكان التفريق بين من هو اجنبي يساعد الاسلاميين ومن لا يساعدهم.
وتقول الصحيفة ان الجيش الفرنسي والمالي واجها صعوبات في اخراج المقاتلين الاسلاميين من بلدتي كونا وديابلي حيث قالت القوات العسكرية هذه ان المصاعب جاءت لانها كانت تحاول تجنب قتل المدنيين لكن سكان المنطقة قدموا رواية مختلفة تظهر الصورة المعقدة للوضع، تتعلق بالمتعاطفين مع الاسلاميين واعداء الجيش المالي المتهم بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
وكل هذه التعقيدات قد تؤدي لاطالة امد الحملة العسكرية في مالي، مما يعني تأثر الدعم الفرنسي لها والذي يتراوح ما بين 65-75 بالمئة في الوقت الحالي. ويخشى ان تتحول مالي الى افغانستان جديدة لفرنسا خاصة ان خططها الاولى للتدخل قامت على اساس تأمين العاصمة باماكو والمدن الجنوبية التي كان الاسلاميون يهددون بالسيطرة عليها، فيما سيترك للقوات الافريقية وبغطاء جوي فرنسي الاستيلاء على تمبكتو وغاو وكيدال، ولكن القوة الافريقية ليست جاهزة كي تقوم بدورها. ومن بين 3 الاف جندي من الدول الافريقية لم يصل لمالي سوى الف جندي.
ومن هنا بدأ خبراء فرنسيون يدفعون باتجاه قيام القوات الفرنسية بالتحرك شمالا وتأمين المدن بدلا من الجلوس وانتظار وصول القوات الافريقية، والسؤال الذي يطرح هو عما سيحدث بعد ذلك وكيف ستتعامل القوات هذه مع منطقة مساحتها 250الف ميل مربع، وهو ما حذره معلق في صحيفة 'لوفيغارو' هذا الاسبوع عندما قال ان مخاوف عن افغانستان جديدة بدأ تدخل عقول الكثيرين، كل هذا بسبب واقع ان الجنود الفرنسيين 'وحدهم' في الميدان ويقومون بملاحقة الارهابيين. ومما يشير الى مصاعب الفرنسيين انهم لم يكونوا قادرين على السيطرة على كونا الا نهاية الاسبوع الماضي بعد عشرة ايام من القصف الجوي، ونفس الامر يقال عن ديابالي التي دخلها المقاتلون الاسلاميون قبل ثلاثة ايام من التدخل العسكري الفرنسي.
ويعترف القادة العسكريون الماليون ان تعاطف قطاع كبير من السكان مع الاسلاميين يعقد مهمة الجيش. ولكن قادة الجيش يعرفون ان المسؤول عن المشكلة هم العسكر، فتعاطف سكان ديابالي جاء لقتل الجيش 16 داعية كانوا في طريقهم من موريتانيا للمدينة حيث فتح الجنود النار على الدعاة العزل من السلاح وقتلوا من كانوا في الشاحنات الا واحدا.
ويقول السكان ان هجوم الجهاديين على مدينتهم كان نوعا من الانتقام للحادث الذي وقع في ايلول (سبتمبر) الماضي. ونقل عن احد مواطني المدينة الصحراوية قوله ان بعض المواطنين رحبوا بالجهاديين. وتشيرالصحيفة الى ان الاسلاميين اشتبكوا مع الجيش المالي حيث قتل جنديان، واختلف الناس حول كيفية دفن جثماني الجنديين، فجماعة الدعوة والسنة رفضت دفنهما حسب ما يقتضيه العرف الاسلامي ، فيما ناقش اخرون بضرورة الدفن حسب الشريعة، لكن انصار الجامعة رموا بالجثتين في قناة، وتم استخراجهما ودفنهما بشكل سري فيما بعد.
وينفي اعضاء الجماعة مساعدة الاسلاميين وقالوا ان سبب الاتهام نابع من التشابه في الزي واطلاق اللحى. ولكن سكان البلدة يقولون ان اعضاء الجماعة قاموا بدفن جثث المقاتلين الاسلاميين.
ويقول احد انصار الجماعة ان الجهاديين لم يعتدوا على السكان وانهم جاءوا فقط لنهب البنوك والاستيلاء على اسلحة وذخائر الجيش. بالاضافة للتعاطف مع الجهاديين هناك مخاوف من جانب الطوارق الذين قالت منظما حقوق انسان ان الجيش المالي استهدفهم مما اضطر بعضهم للاختفاء عن الانظار في اماكن من مثل دونغولي.

جيش ضعيف ومنقسم

وفي تقرير لصحيفة 'نيويورك تايمز' اشار الى جزء من المعضلة الفرنسية النابعة من ضعف الشريك المالي، حيث نقل التقرير شهادات جنود اشتكوا من تخلي القيادة عنهم في معركة ديابالي التي سيطر عليها المقاتلون الاسلاميون.
وقال التقرير ان الجنود وعدد من القيادات التي دربتها القوات الامريكية كانت من جملة الهاربين. ونقلت عن مسؤولين في العاصمة باماكو ومسؤولين امريكيين ان لولا التدخل الفرنسي لكان الاسلاميون قد سيطروا على كامل البلاد، مشيرة الى ان الجيش الذي تأمل الامم المتحدةبتأهيله واعادة قدراته ليس في مستوى المواجهة مع الاسلاميين.
وبحسب صاحب ورشة لتصليح الراديوهات قوله ان السكان اعتقدوا ان الجيش سيقوم بحمايتهم لكنه كان اول الهاربين. ومن هنا فضعف الجيش وسجله في انتهاكات حقوق الانسان جعلت الكثيرون يتساءلون ان كان من العقل تركه كي يحافظ على المنجزات التي حققها الفرنسيون.
وتساءل تقرير قدم للكونغرس الامريكي عن فعالية القوات المالية بتأمين المناطق التي تم اخراج الاسلاميين منها وذلك في ضوء انقساماته الداخلية وضعف قدراته وسجل الفقير في مجال حقوق الانسان. ولا يتجاوز عدد القوات المالية عن السبعة الاف جندي، بعدد قليل من الطائرات والمروحيات الصالحة للعمل، وهذا ما دعاه للموافقة على الانضمام الى شراكة مع الولايات المتحدة كي تساعد في تأهيل قوات مالي ودول الساحل والصحراء، خاصة ان الحكومة المالية اعترفت بصعوبة مهمة حماية مناطقها الصحراوية ومراقبة عمل الجماعات الجهادية.
ويشير التقرير الى ان القوات الامريكية الخاصة دربت القوات المالية عسكرياـ ولكن لم يكن احد يتوقع وصول المقاتلين الطوارق المعززين بالسلاح بعد انهيار نظام القذافي، مما ادى الى انشقاق 1600 جندي حسب مسؤولين في الحكومة المالية، وهذا ما ادى الى الانقلاب العسكري الذي قام به جنرالات احبطهم سيطرة الطوارق على الشمال.
وفي الوقت نفسه تعترف وزارة الدفاع الامريكية ان تدريب القوات المالية لم يكن مواكبا للتطورات المتسارعة في المنطقة، ويقول القادة الماليون انه لم تتوفر لهم الاليات او المعدات القتالية بشكل يوازي ما تملكه الجماعات الجهادية.

المخابرات الجزائرية خاسرة

ومهما يكن من امر فالخاسر الحقيقي في عملية عين اميناس هو جهاز المخابرات الجزائرية المعروف بشراسته مع الجماعات الجهادية، وفشله باكتشاف واحباط المحاولة.
وبحسب التقارير فالمنفذون للعملية كانت لديهم معرفة بالمكان وتلقوا مساعدة من عاملين سابقين في المنشأة، فيما قالت تقارير امنية ان الحراسة الامنية لم تكن كافية ان لم تكن كافية. وتعتبر والحالة هذه فشلا امنيا لرئيس الاستخبارات الجزائرية محمد توفيق مدين (73 عاما)، وكان نائبه الجنرال بشير طرطق المعروف بـ 'لوبومباردير' قد قاد العملية على المنشأة والتي انتهت النهاية المعروفة الان.
ويشير تقرير لصحيفة 'الغارديان' التي واكبت احداث اربعة ايام من خلال شهادات ناجين ان حالة مدين الصحية ليست جيدة، ولكنه الرجل الاقوى في الجزائر بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويعتقد اخرون انه ربما كان اقوى من الرئيس. وظل مدين بعيدا عن الصورة حيث يتلقى العلاج في جنيف.
ويعتقد ان سبب ابعاده عن الاحداث يعود الى غضب بعض الجنرالات عليه بسبب موافقته على السماح للطائرات الفرنسية التحليق فوق الاجواء الجزائرية في طريقها الى مالي، وان الخبر تم تسريبه من باريس. ويقول التقرير ان الحادث قد يؤدي الى اضعاف الرجل القوي في الجزائر وهو الذي تجنب عدسات الكاميرا ونادرا ما ظهر في الحفلات الرسمية العامة، وبحسب محلل اوروبي لا يلتقي الا بـ 'الاولاد الكبار' مسؤولي الاستخبارات الفرنسية والروسية والامريكية وربما السعوديين.
ولعب مدين دورا في 'الانقلاب' العسكري الذي الغى الانتخابات عام 1991 وكان مع دعاة اقتلاع الاسلاميين ضد دعاة التفاوض. واستطاعت الاستخبارات الجزائرية تحت قيادته اختراق الجماعات المقاتلة، حيث اتهمت بارتكاب مجازر والقاء المسؤولية على هذه الجماعات، ويقول خبير في جامعة لندن، جيرمي كينان ان كتاب الاستخبارات الجزائرية مأخوذ من دليل عمل كي جي بي ، الاستخبارات في العهد السوفييتي والقائم على انشاء جماعات ارهابية ونقابات عمل موازية بحيث لا يعرف احد ما يجري في الحقيقة، مشيرا الى ان مدين كان في 'شرسا' في هذا الاتجاه.
ونظرا لهذا التاريخ اقترح البعض ان العملية الاخيرة في عين اميناس ربما كانت واحدة من الالعاب الاخيرة للاستخبارات لاظهار خطر القاعدة على المنطقة ولكن لا احد يشك ان الهجوم كان حقيقيا ونفذته جماعات معروفة اعترفت بالتخطيط.
ويقول جورج جوفي الباحث في شؤون دول المغربي العربي في جامعة اوكسفورد، حيث قال ان الناس يعرفون ان هناك مستوى من العجز يثير الخوف، ومستوى من القسوة الذي لم يكن له داع، مما سيطرح اسئلة حول قدرة الاستخبارات الجزائرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق