الاثنين، 1 أبريل 2013

ان الحزن والإكتئاب والحيرة وعدم الرضا مما يجري داخل المجتمع المصري، له صلة وثيقة بما جرى من تحالفات بين قوى التيار السياسي الإسلامي قبل 30 يونية 2012 وما أتخذه الرئيس المصري من قرارات ونفذ من سياسات منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ..


كل يوم تزداد مسحة الحزن وأسباب التوتر والخوف من المستقبل بين الغالبية العظمى من الشعب المصري، الذي تنعكس ملامح العنف على تعبيرات وسلوكيات العديد من مستوياته النخبوية والإجتماعية .. مما جعل بعض التقارير ترى أن 'مؤشرات العنف أصبحت علامة مسجلة على معظم فاعليات تعاطي المصري مع المشهد السياسي شديد التعقيد'..
كل هذا له ظل من حقيقة، حتى لو قبلنا ما يؤكده البعض من أن صحف وقنوات المعارضة وكذا صحف وقنوات الفلول والثورة المضادة، يعملون على تضخيم الأمور ويصطادون في الماء العكر ..
الرأي عندي ان الحزن والإكتئاب والحيرة وعدم الرضا مما يجري داخل المجتمع المصري، له صلة وثيقة بما جرى من تحالفات بين قوى التيار السياسي الإسلامي قبل 30 يونية 2012 وما أتخذه الرئيس المصري من قرارات ونفذ من سياسات منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ..
عنما كتبنا في أعقاب إستفتاء مارس 2011 أن بعض قطاعات الشعب المصري بدأت تفقد الأمل في ثورتها السلمية، شن البعض علينا حرباً شعواء، اليوم هم يقولون أكثر من ذلك إذ يضيفون إلى فقدان الأمل 'إنسداد سبل التواصل بين الأطراف المشاركة في رسم ملامح نظام الحكم في مصر، وتلاشي مؤشرات الإصلاح السياسي والاقتصادي كما رفعت شعاراتها ثورة 25 يناير'..
وإذا كنا نشارك الرئيس محمد مرسي مقولته (24 مارس) التي وصف فيها الوضع في مصر بأنه 'خطير' وذلك في كلمته التي ألقاها بمناسبة ترؤسه مؤتمر مبادرة حقوق وحريات المرأة المصرية، فإننا نؤكد أن سياسات تقسيم المجتمع المصري إلى فسطاطين متواجهين ومتخاصمين التي تبنتها جماعة الإخوان المسلمين منذ وضعت يدها على الثورة بتنسيق أو بغير تنسيق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان مسؤولا عن إدارة شؤون البلاد حتى منتصف العام الماضي، أصبحت هي العنوان الأبرز لنسق الحكم الذي تبنته مؤسسة الرئاسة في القاهرة على إمتداد التسعة أشهر الماضية بعد أن أضيف إليها صمت تام حيال إسالة الدماء، وصم آذان تجاه مبادرات السياسيين، ومواقف سلبية لمشاهد الإعتداء على الإعلاميين، وغض النظر على مسلسل حصار دور القضاء ومقارات وسائل الاعلام، وتدمير وإحراق البعض منها..
النسق الذي صار عليه الرئيس محمد مرسي لم يوفر الأمان والإستقرار!! ولم يعط الأمل!! ولم يلتزم بالعهود والوعود التي تعهد بها وألزم بها نفسه على إمتداد الفترة التى أعقبت ترشحه للإنتخابات الرئاسية في منتصف شهر نيسان (أبريل) 2012 وحتى تسلمه السلطة بمعسكر القوات المسلحة بمنطقة هاكستيب يوم 30 يونية، مرورا بميثاق فيروموت الذي أعلنه على الملأ خلال مؤتمر صحفي يوم 23 يونية 2012.
محصلة هذا النسق لم تسع لتخفيف معاناة الشعب، ولم تحقق له الأمن والإستقرار، ولم تفتح له أبواب الابتعاد عن حافة الهاوية الإقتصادية.
سياسيا تمسك النسق الرئاسي بتشكيلة الجمعية التأسيسية التي كرر وعده بإعادة تشكيلها مرات عديدة، ولم يف .. ودافع عنها بكل عزيمة، حتى أصدرت دستوراً به من العيوب التي ألحقت بمكانة مصر الحضارية الكثير من الشوائب.. وسكت عن حصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، مما زاد من تهجم قوى تيار الإسلام السياسي على مؤسستي القضاء والإعلام .. وأصر على إجراء إستفتاء على دستور، لم يحظ بالتوافق المجتمعي.. وأقدم على إصدار إعلان دستوري حصن به قرارته الرئاسية ضد أي طعن، لأول مرة في تاريخ مصر الحديث .. ومنح مجلس الشوري سلطة تشريعية ليست من إختصاصه، فقام باصدار بعض القوانين التي رفضتها المحكمة الدستورية العليا واهمها قانون الانتخابات النيابية وقانون تقسيم الدوائر الإتخابية ومسودة قانون التظاهر السلمي وشروطه..
إقتصادياً .. زادت وتفاقمت المشكلات التي لا تجد لها حكومة الدكتور هشام قنديل لها حلولا جذرية وتكتفي بالمسكنات الوقتية، وهي ذات المشكلات التي بدأت على إستحياء إبان فترة مسؤولية وزارة الدكتور كمال الجنزوري وكانت السبب الرئيسي لمطالبة جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بإستقالتها، واليوم تحظى الحكومة الحالية بكل تأييد ومساندة .. أزمات الوقود أصبحت عنوان على العنف الدموي في غالبية محافظات مصر، وهي قابلة للتصاعد في الأيام القليلة القادمة على مستوى المزارعين الذين يستعدون لموسم حصاد القمح .. زادت معدلات الشركات المنتجة التي توقفت عن العمل!! وزادت أعداد المواقع الإستثمارية التي أغلقت أبوابها سواء بسبب أزمة الدولار أو بسبب الضرائب التي فرضت على البورصة .. لم تتضح حتى اليوم ملامح اي خطة قصيرة أو متوسطة المدى لعلاج الإستنزاف الذي بدأ يأكل احتياطي مصر من النقد الاجنبي، حتى بعد أن اقترب تصينف مصر دولياً من حافة التردي الإقتصادي الذي لا يبشر بخير .. وشمعة الأمل التي برق نورها قبل نهاية العام الماضي مع ما أبداه صندوق النقد الدولي من إستعداد لمنح مصر قرضا قيمته 4.8 مليار دولار، خبا ضوءها، والله وحده يعلم حجم الشروط التي ستُفرض على الشعب المصري في سبيل الحصول عليها .. ناهيك عن فضيحة الـ 194 مليون دولار التي قررت الحكومة الأمريكية أن تساهم بها في أصلاح حال ميزانية الدولة، والتي كان من الممكن لإثنين أو ثلاثة من كبار رجال الأعمال المنتمين للجماعة ان يوفرها للخزانة دون حاجة للإستجداء ..
أوافق القائلين بأن المعارضة المصرية تتبع أسلوب نقد قاس، دون تقديم حلول واقعية ..
وأوافق أيضا على أن الفلول يبعثرون أموالهم بهدف إبراز فشل تجربة إنتخاب الرئيس المصري ..
وأوافق علي أن بعض وسائل الإعلام تصطاد في الماء العكر ..
وفي المقابل، أرجو من المؤيدين لنسق الرئيس محمد مرسي في إدارة الدولة المصرية على طول الخط أن يكونوا منصفين في نظرتهم الواقعية للشأن المصري بما يوفر لنا مساحة مشتركة نقول من خلالها ان مسؤوليته هي الأكبر وهي الأكثر تفعيلاً وهي الأعمق تأثيراً في مجريات الأمور .. وبالرغم من ذلك لم يبد إهتماماً بأن يكون على صلة قوية بالمجتمع، كما وعد في أول لقاء جماهير له بميدان التحرير يوم الجمعة 29 يونية 2012 بعد ان أدى الصلاة في الجامع الأزهر ..
وأن لا ينكروا أن الطاقم الرئاسي الذي إختاره ليس على مستوى دولة بحجم مصر، وأن حكومة الدكتور هشام قنديل ليست على مستوى المسؤولية السياسة والإقتصادية والمجتمعية، ويكفي أن نشير إلى التضارب في السياسات فيما يتعلق بالمشاريع العديدة التي أُعلن عنها والتي تحتاج لرؤوس أموال لا تجد المناخ الأمني لكي تأتي إلى مصر!! ولا يعرف أحد من أين ستحصل على الطاقة في ظل أجواء الصراع عليها، والمؤهلة للتصاعد أكثر مما كانت عليه طوال الأربعة أشهر الماضية..
وأن لا ننكر أنه مهما عظمت أخطاء المعارضة، فكان من المتوقع من جانب رئيس الجمهورية أن يتمتع بالثقة في النفس التي تجعله قادرا على تجسير الثقة بينه وبينهم، حتى لو كان ذلك على حساب ولائه للجماعة وتفضيله لمقترحات مكتب إرشادها على كل ما عاداه ..
رئيس جمهورية مصر الذي ينصح المعارضة بأن تحتكم للصندوق عندما يسمع صوتاً ينادي بتأكل شرعيته، نسي متطلبات وإحتياجات وطموحات حوالي 8 مليون مصري من غير المنتمين لجماعة الإخوان المسليمن الذين منحوه أصواتهم في جولة الإعادة .. ونسي مشاكل وأزمات ومآسي وأحزان ما لا يقل عن 75 مليون مصري ليسوا متحزبين وليسوا متآمرين ولا خونة ولا عملاء ولا فلول ولا مدافعين عن الأعلاميين وعن المحتجين وعن السياسيين وأحزاب المعارضة..
هناك فرق بين صبر رجل الدولة عندما ينفذ، وصبر السياسي الحزبي عندما ينفذ ..
هناك فروق واضحة بين تعليق تردي أوضاع الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية على شماعة المؤمرات الداخلية والخارجية التي تحاك ضد مصر الوطن والشعب، وبين التفكير الوطني المتكامل في التعرف علي حقيقة التراجع على مستوى كافة الميادين ووضع أسباب علاجية واقعية ناجعة لها..
هناك فرق جوهري بين الإعلان المرسل من أصابع تتدخل في الشأن المصري، وبين قيام الأجهزة الأمنية المختصة بكشف الستار عنها بحنكة وروية لا ثغرات فيها..
وأخيراُ ..
هناك فجوة هائلة بين توقع أن يدعو رأس الدولة لحوار وطني إيجابي، وبين مفاجأة تهديده المخالفين له في الرأي والأداء بالويل والثبور وعظائم الأمور.
ولو أمعنا النظر، سنجد ضعف حجم هذه الفجوة بين التعامل بصبر وأناة مع مشكلات الدولة، وبين التلميح بأن الصبر على وشك أن ينفذ بعد تسعة اشهر من الحكم..
ويحق لنا أن نسأل الرئيس مرسي: كيف ستمضي بشعب مصر ما بقي من فترة حكمك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق