الثلاثاء، 9 أبريل 2013

تاريخ آل سعود ناصر السعيد * ج 9

تاريخ آل سعود ناصر السعيد * ج 9
وأنا العجوز لا أملك غير دعوات رب العالمين بزوالكم).. فدفعها الخدم وأنا معها من الدرج، وذهبنا حتّى وصلنا بيتنا فوجدناه مليء بالرجال والنساء ينتظرون عودتنا بالإكبار والتقدير.. وكانت كلماتها تلك دروسي الأولى في مقاومة آل سعود فتطورت تلك الدروس إلى وعي أشمل لمشاكل الشعب كله والوطن والأمة والإنسانية التي لا ننفصل عنها.. ومن يتلقى أولى دروسه من امرأة لن ينساها ـ خاصة إن كانت تلك المرأة أما أو جدة ـ فللام والجدة من قوة التأثير ما ليس للمعلم.. والأم والجدة إن صلحتا صلح النسل وان فسدتا فسد النسل… ومواقف جدتي تلك التي كانت أشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار تذكرني بما قرأته عن الشعب الاسبرطي الذي عاش قبل ميلاد السيد المسيح وكانت له بطولات عظيمة مدهشة ولم يكن خلف تلك العظمة والبطولات غير النساء.. كان وراء تلك البطولات تربية أمهات) أولئك الرجال وقوة تأثيرهن في تلك الأمة.. مما دفع حكامهم حينما عرفوا ما للأم من قوة تأثير إلى سن ذلك القانون الفريد من نوعه حيث نص هذا القانون (على إن كل مرتكب ذنب لا يعاقب. بل تعاقب والدته) إلى حد أن نص هذا القانون: (على جلب والدة المذنب إلى الساحة العامة للمدينة وجلدها أمام الناس جزاء لسوء تربيتها لابنها أو بنتها) مما زاد حرص كل أم مهملة لتحسين تربية أطفالها وجعل كل ـ ابن امرأة ـ يحسب ألف حسان لتمتدح أمه ولكيلا تجلد أمام ـ أم خطيبته ـ وحبيبته وأصحابه فيسجل التاريخ عار أمه التي تساهلت في تربية ابنها وطنيا فتساهل هو في حقوق شعبه وأمته … وبذلك أصبح الجميع أبطالا.. لا شك أن في ذلك القانون من الإجحاف ما يتنافي وعصرنا هذا فيما لو أراد أي حاكم تطبيقه إلا أن ما أتمناه هو أن تكون هنالك قوة شعبية تتمكن من تطبيق هذا القانون بأمهات الحكام العرب لعلنا نجد مهم من لا يهادن الرجعية كما لم تهادنها جدتي التي كانت أكثر شجاعة من معظم الحكام، حيث لم تهادن جدتي الرجعية ولم مرة ولم تقبل من الرجعية أي عون، ورغم تأييدي لنظريات جدتي في آل سعود وفي معظم الحكام إلا أنني لا أؤيد ظنها بأن ما وقع في حائل وقراها من مجازر سعودية رهيبة يقع لسواها.. فما من منطقة في بلادنا قد نجت من مظالم الطغيان، وهناك مظالم ومجازر سعودية أخرى ارتكبها حكم الطغيان في أماكن أخرى كثيرة من الجزيرة العربية… إلا أن ما وقع في حائل شيء رهيب يحتاج وحده إلى كتب كثيرة، وما نكتبه الآن ما هو إلا أمثلة تذكرنا بسقوط حائل، وتذكرنا بمظالم آل سعود في حائل، وتذكرنا بمشاريع آل سعود في حائل!، تلك المشاريع "العظيمة" التي قد أولاها آل سعود بالغ اهتمامهم تمشيا بوصية والدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم عبد العزيز هو صاحب مشروع (أخذناها بالسيف) بل صاحب أول مشروع طبقه في أول يوم لسقوط حائل حيث لم يخلو بيت من البيوت إلا وفقد منه ستة أشخاص أو ثلاثة أو واحد على الأقل… حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل في اليوم الذي دخل فيه عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود المنحل "بمشروع حيوي جداً!!".. فما هذا المشروع؟.. المشروع كان زواجه ـ إكراها ـ وشبيه بالإكراه ـ بمجموعة من النساء من ضمنها بعض نساء آل رشيد .. وبالطريقة السعودية المعروفة.. وهي الاغتصاب باسم الكتاب والسنة!.. تعبيرا عن فرحته في يوم كان كله حزن ومصيبة بسقوط القتلى.. وسقوط الوطن وسقوط الكرامة وكانت تلك أول صدمة لمن تآمروا مع ابن السعود وأحلوه في حائل خلسة وغدرا.. لكن واحدة من النساء التي أراد اغتصابهن لم تتحمل أن يوجه لها هذا الحيوان السعودي المتوحش تلك الاهانة ولم تقبل بمرور لحظات سروره الماجن دون الثأر لكرامتها وكرامة شعبها ولو بأي طريقة من الطريق وحسب المستطاع… فزفّت إليه العروس اغتصابا… وكانت قد اخفت مخرزا بيدها… وما أن حاول الحيوان السعودي الاقتراب منها حتّى أغمدت مخرزها في عينه تصرخ: "لن تقرب مني أيها الملعون".. وهكذا فقد عبد العزيز آل سعود عينه. فلسطين في عيني! وهي العين التي أشار بإصبعه عليها عندما جاءه وفد فلسطين عام 1947 طالبا قطع البترول عن الغرب والصهاينة للضغط على أمريكا!!! ـ وقال عبد العزيز قولته المشهورة (إنني أحافظ على فلسطين في عيني … ولن تضيع فلسطين إلا إذا ضاعت عيني هذه!) وضاعت فلسطين كما ضاعت عين عبد العزيز.. وعندما قيل لعبد العزيز بعد ضياع فلسطين، لقد ضاعت فلسطين التي تعهدتها بعينك، قال: لن أكون أول من أضاع فلسطين ولا آخرهم… أما عن المرأة الشمرية التي أضاعت عين الطاغية عبد العزيز فلم يجرؤ هذا الطاغية على أن يمسسها بسوء لشعوره بالذنب والجريمة ولخشيته من تسرب الخبر... وقد اعتبرها اهانة له في هذا اليوم "من امرأة عربية شمرية" أرادت الأخذ بثأر رجالها عندما خانهم بعض الرجال بقصد ساذج أو خبيث بل أشاع هذا الطاغية إن ما حدث لعينه لم يكن إلا (نظرة من عين حسود أصابته بعينه لهذا الانتصار!!) فسرح المرأة فورا… ولا أقول طلقها لأنه ليس بينه وبينها عقد زواج كما هو الحال في كل زيجات آل سعود (ألا يجوز أن يقال أنهم بهذا أولاد زنا؟).. أما عن أهمية سقوط حائل بيد الاحتلال الانكلو سعودي.. فقد قال السير برسي كوكس (لقد انتهى عهد الرعب وشغلنا الشاغل ـ انتهت حائل وقبائل اسمها شمر لم نحس قبل سقوطها بالاطمئنان… حقا لقد كان عبد العزيز المتعب الرشيد مستهترا حينما قال له بعض أصدقائه بعد أن استولى ابن السعود على القصيم: دعنا نقاتل ابن السعود ونهاجمه فنحن قوة وابن السعود لا زال ضعيفا قبل أن يمده الانكليز ويصبح في عيونهم شيئا، فكان رد عبد العزيز ابن الرشيد ساخرا من الناصحين بقوله ـ ابن سعود أرنب مجحِره ـ ابن سعود لا يمكن أن يفلت من يدي، أي أن ابن السعود أرنب في جحرها وما دامت الأرنب في جحرها فهي مضمونة للصياد وسأصطادها متى شئت!. وكان قد اصطاده ابن السعود).. بعض الأسماء من آلاف الشهداء وها هي الآن أسماء بعض الآلاف الذين استشهدوا في مجازر النيصيّة والجُثامية والصفيح والوقيد وضواحي حائل وسهالها وراحوا ضحية الواجب الوطني ـ والغدر الانكليزي السعودي الآثم، ومنهم: الشهيد فهد سليمان العيسى، والشهيد فهد العْبِدَه، والشهيد صالح العيد، والشهيد عبد الله العيسى السعيد، وعيسى العيسى السعيد (رصاصة حطمت فخذه وتوفي منها فيما بعد بالعراق) والشهيد حمد العلي السعيد، وسليمان السيعد، وعنبر العنبر وسليمان النودلي ومجول العيد الزويميل وشائع الملق وعبده الفائز ودعسان الهمزاني وسعود المطيلق ومرجان بلال المرجان (أشعلوا فيه النار هو وسبعين شخصا معه) وصالح الضبعان (ورفاقه ثلاثون شخصا مثلوا بهم حتّى ثيابهم) ومهدي البلال، (والعودي وأولاده ـ وجماعته وعددهم 47 شهيدا جمعوهم وأحرقوهم بالنار) والشهداء دعيع وطاهر، ومهدي أبو شرين وسلامة وشقيقه ناصر العنبر وجابر الشعلان وحماد الشعلان وعثمان المشاري ومسفر المتعب ومنديل المهوس وفهيد المنيع وفالح الحيص وعامر وغانم الكوش ومرشد المسلط وعبد المحسن الشومر (وجماعته مائة وستون أحرقوهم بالنار أحياء) وابراهيم العريفي (ومائتان وثلاثة وأربعون معه قتلوهم وسرقوا ثيابهم وأحرقوهم) هؤلاء ممن استشهدوا في مجزرة النيصية، أما الذين استشهدوا في مجزرة الجثامية فمنهم الشهداء: رعاف الغلث وفرج السعود وساطي المسيعيد وثاري البجيدي وعلي العايد وفهد السعيد وسالم الطالب وفهد الهشال وجروان الاحمد وسليمان المهدوس وفرج الجيش وابراهيم السهيل وعلي الجميعة وابراهيم الصلحاني وخلف النعيم وعبد الله البريك، وغيرهم من الآلاف الذين سيكتب الشعب أسماءهم العربية في سجل الصديقين والخلود مع (400 ألف شهيد) من أبناءه في كافة أنحاء الجزيرة العربية قتلهم الآثمون السعوديون والانكليز في معارك تربة والطائف والجوف والحفر والحجاز ونجد ومن معظم القبائل.. كما شردوا من شعب الجزيرة العربية ما يزيد عن المليون ونصف مليون مواطن إلى أنحاء آسيا وافريقيا وكافة البلاد العربية.. وهناك بطولة استشهاد لا ينساها شعبنا.. تلك هي بطولة استشهاد القائد البطل ضاري بن طواله رئيس عشيرة (الأسلم) من قبيل شمر.. لقد نزح ضاري بن طواله مع من نزحوا من عشائر شمر عن حائل لخلاف بينه وبين سعود آل رشيد، ولكن ضاري بن طواله ما أن علم بحصار حائل من قبل السعوديين حتّى توجه من الكويت إلى حائل رغم ما بينه وبين آل رشيد من خلاف جعل ابن الرشيد يهدد ضاري بن طوالة بالقتل… توجه البطل ضاري بن طوالة ليدافع عن حائل، وأخذ واخوته يحارب كل من في طريقه من السعوديين وأتباعهم حتّى وصل إلى يا طب (30 كم تقريبا شرقي حائل) وهو يقاتل الخونة بشدة. وفي ياطب أطلق عليه أحد عملاء الانكليز السعوديين الذين رافقوه رصاصة غادرة أردته قتيلا.. ولم ينس حتّى وهو يلفظ أنفاسه الطاهرة أن يوصي قومه بمواصلة القتال في سبيل الوطن.. وكانت آخر كلمات هتف بها البطل واختلطت بحشرجات روحه الطاهرة قوله المأثور: (هذا هو عذري منك يا حائل. هل تقبلين بهذا العذر؟. أنني مت دفاعا عنك ولم أخونك ولم اتركك وحيدة ولو لم يقتلني هذا الشقي اليوم في حماك لكتب لي الموت غدا في جوفك فو الله لن أقف على قدم من بعد سقوطك ولن أحيا بعد ان يتسلمك الاعداء وان تركتك غضبا على حاكمك فلم أتركك غضبا عليك) فلتعش يا ضاري بن طوالة البطل مع الشهداء والصديقين خالدا شهيدا.. ولم تكن قصة هذا البطل هي الفريدة من نوعها على ابناء شعبنا.. فكم من جندي باسل شجاع استشهد.. أما من نجا من المجاهدين في حائل، فلم يستسلموا للطغيان السعودي، بل ذهبوا إلى الحجاز ليشاركوا شعبنا هناك شرف الجهاد. ونذكر منهم البطل الشهيد صالح السعد الله الذي لم يستسلم للسعوديين فهرب من حائل إلى الحجاز ليشن هجمات فدائية على مخيمات ومدافع الانكليز وابن السعود في الرغامة بجدة حتّى استشهد البطل هناك بعد أن شن هجمة من هجماته المتعددة على مخيم ابن السعود نهارا حينما ألقى بقنبلة من يده على شخص اسمه صالح الذعيت كان زميلا لصالح السعد الله في الجهاد وهرب مع الامير عبد الله المتعب الرشيد قبل سقوط حائل فبقي مع ابن السعود وقد اتهمه صالح العبد الله أن الذعيت قد أصبح يحارب مع ابن السعود ضد شعبنا في الحجاز رغم أن الذعيت هو الذي سبق له قطع رأس الكابتن شكسبير قائد جيش الاخوان السعوديين.. فهجم صالح السعد الله على صالح الذعيت مقتحما تحصينات الانكليز وابن السعود وتحدت مع الذعيت وجها لوجه بقوله: (انا صالح السعد الله يالذعيت هل تذكر جهادك الأول: هل تذكر أنك أنت الذي هجمت بسيفك على مدفع الانكليزي شكسبير قائد جيش ابن سعود وذبحته في معركة جراب التي هزمنا فيها جيش العدو الانكليزي عبد العزيز بن سعود؟.. اخس يالذعيت يا بياع بلاده.. ولكن خذها ثمنا لخيانتك يالذعيت).. فألقى عليه قنبلة مزقت أحشاءه.. ثم راح البطل صالح السعد الله يهرول ويحمي مؤخرته بعض رفاقه… ولكن رصاصة سعودية غادرة لحقت به من الخلف فأردته قتيلا.. واستشهد البطل ولم ترفع جثته من الأرض التي سقطت عليها مدة تزيد على شهر، حتّى أنها تيبست دون أن تدور أو تلحق بها عفونة.. أما قبائل شمر المجاهدة فقد هاجر منها قرابة الخمسين ألفا إلى العراق وسوريا والاردن.. أما ابن السعود فقد خان كل عهوده ومواثيقه "ولحس" تلك المعاهدة التي وقعها هو والمتآمرين معه بقصد أو غير قصد.. ولكنه وضع الشيخ إبراهيم السالم السبهان حاكما على حائل إلى حين. وخان عبد العزيز آل سعود عهده ومعاهداته بعد أن قال عبد العزيز آل سعود في كلمة ألقاها في حشد من أهل حائل: (أنا لا أريد أن أنصب عليكم من لا ترضونه ـ يا أهل حائل وشمر ـ وقد قال لي البعض نصّب علينا أحد أفراد أسرتك لكني أقسمت أن لا يحكمكم أحد من أفراد أسرتي لأنني غير آمن أن أولي عليكم احدا منا والسبب قد لا تستطيعون شكواه الينا فيما لو ظلمكم وأخل بهذه الشروط بيننا وبينكم أو ارتكب أي ذنب لأننا ندّعي أننا أخذناكم بالسيف، فالحقيقة أنه لو ما تفاهم عقلاءكم لطالت الحرب بيننا وبينكم وربما ننجح بدخول حائل وربما لا ننجح، ولكن هذه ارادة الله!.. وقد وافقنا على كل طلباتكم وهذا هو إبراهيم السالم منكم وفيكم اطلبوا منه ما تريدون وما ترونه نافع وهو سيوصل الامر الينا)!.. الخ.. فلا تعجب لهذه الحيل والخداع السعودي.. فالاحتلال السعودي ما قام الا على الحيل والخداع وما زال الخداع شريعته. وفجر عبد العزيز بقسمه ونقض اتفاقيته مع أهل حائل وتبعته ذريته من بعده وما هي الا مدة قصيرة جدا حتّى عزل ـ ابن السعود ـ "صاحبه الحائلي" إبراهيم السالم السبهان واستبدله بابن عمه جزار منطقة حائل الشهير عبد العزيز بن مساعد الجلوي الذي أخذ يسوم الشعب وقبائل شمر والمواطنين سوء العذاب والارهاب ويسرق خيرات الأرض وحقوق الفلاحين والبادية والمواطنين ويعتبر أن الأرض كلها ملكه قد أقطعه اياه ابن عمه عبد العزيز آل سعود ، وكذلك البراري كلها حماه لا ترعى به إلا أغنامه وابله وخيوله التي صادرها من القبائل والمواطنين، والويل لمن يمر من البشر في هذه الأرض التي سماها "حماه".. وخابت آمال الذين دخلوا ابن السعود إلى حائل ظانين انّه سيورثهم الأرض ومن عليها!.. وقد نلتمس العذر لهؤلاء "الرجال" الذين سلموا "أمهم" حائل لابن السعود وعلوجه بغفلة من اهل حائل، وقد زعم هؤلاء الذين "قادوا" ابن السعود (انّه سيبدل صحاريها بجنات تجري من تحتها الانهار..) ولكن حائل لا زالت كما كانت عليه من ظلم وتأخر وأمراض وابن مساعد وآل سعود.. ولن يغير ما فيها من وباء الا وجه الاشتراكية الاكرم بقيام ثورة عربية جمهورية، وقد اثبت التاريخ ان الشعب في حال لم يرضخ لطغيان عائلة آل سعود، فكم مرة ثار وثارت قبائله ثورات هزت قوائم عرش الظلم رغم أنه لم يكتب لها النجاح لأنها لم تتجاوب معها بقية الأقاليم والقبائل. ثورة غُريّب العفري من هذه الثورات، ثورة الشهيد البطل غريب العفري الشمري الذي أعجز الطغيان السعودي وجزاره عبد العزيز بن مساعد الجلوي مدة من الزمن رغم أنه لم يكن مع هذا البطل الا شقيقه دغيليب وخمسة من ثوار شمر الاحرار، وقد وقع في كمين نصبه له عدد كبير من خدم ابن مساعد فشدوا وثاقه وساروا به ليلا حتّى شارفوا على مدينة حائل وعندها اطمأنوا فناموا وتركوا البطل الذي لم ينم، وبينما هم يغطون في نومهم لحق بهم شقيقه دغيليب العفري الذي كان يرقبهم ويتتبع خطاهم، وقطع قيد أخيه وقاما معا بتجميع سلاح خدم ابن مساعد ولما انتهيا من تجميع السلاح كله صرخ فيهم "غريب" قائلا: (أنتم تنامون لأنكم لا تذكرون لكم بلدا يحتلها آل سعود.. وتنامون لانكم خدم للمعتدين آل سعود.. أما أنا فلا أنام، وان نمت أحلم ببلادي وأفيق على هذا الحلم الذي يفزعني ولهذا أصبحت شجاعا أستطيع أخذ أسلحتكم منكم بالايمان القوي، أما أنتم فلا تستطيعون استعادة أسلحتكم مني وأنتم جمع غفير لانكم خدم الاعداء كما قلت، خدم الطغاة الذين يركضون بلا هدف خلف ثائر مثلي لتسليمه لاسيادهم مقابل أجر تافه يدفعه لهم الطغاة. لهذا تنامون وان نمتم فلا حلم لكم الا "بالشرهة" والاجرة التي سيدفعها لكم ابن مساعد مقابل القاءكم القبض على ثائر شريف. لكني لن أترككم تقبضون أجركم كثمن لرأسي الثمين ولن أقتلكم رغم أنكم تريدون قتلي، فاذهبوا إلى سيدكم وأخبروه.. اذهبوا بلا سلاح وبلا ابل تركبونها..) بعد ذلك ساقهم بعيدا بعد أن طلب من كل واحد منهم أن يربط يدي زميله إلى ظهره وتركهم.. وراح هو وشقيقه في سبيلهما الثوري.. أما الخدم فراحوا إلى الجلاد ابن مساعد الذي حلق ذقونهم وسود وجوههم كعقاب لهم وجلدهم وأعادهم لمطاردة الثائر مرة أخرى مع عدد أكبر منهم بقيادة ناصر بن دوخي، ومع ذلك فلم يتمكنوا من اصطياد البطل، رغم أنهم طوقوه من كل جانب الا بعد أن انتهى ما معه وشقيقه من ذخيرة حيث أصيب شقيقه ذغيليب وتمكن من الهرب أما غريب فقد اقتادوه الزبانية إلى جزار حائل ابن مساعد. فأرسله مكبلا بالسلاسل إلى ساحة السوق، وكان البطل يسير بين المواطنين وهو يدرك أنه يتجه للقاء الموت، لكنه كان يبتسم بكل شجاعة وايمان فالتفت إلى الخدم الذين ضايقوه وقال: (لا تفرحوا يا خدم المجرمين فان لي جماعة سيأخذون بثأري)!… وكان يعني "بجماعته" جموع الشعب التي كانت تنظر له باعجاب بينما هو مقيد بالحديد!، وكنت آنذاك صغير السن، أقف بين ذلك الجمع الكبير الذي شاهد اطلاق الرصاص في رأس هذا البطل، لكننا ماذا نملك غير ترديد اللعنات على آل سعود بأصوات عالية مع كل رصاصة تنطلق صوب رأسه وصدره الشجاع وراح البطل غريّب العفري شهيد شعبه، هذا الشعب ـ الشهيد ـ الذي قدم الالاف من أمثال غريب العفري، ممن خلقوا في نفوسنا ثورة منذ سني الرضاع الاولى. لن تنطفي نارها حتّى تحرق الظالمين ويسود شرع الاشتراكية العظيم.. والشعب في حائل لا يكن لعهد الحريم أي احترام فعندما توفي الطاغية عبد العزيز واستورث ابنه سعود الشعب والارض والعرش من بعده وأخذ يدور على كل المناطق مخادعا الشعب بطلب "البيعة" منه لم يبايعه الشعب وانما بايعه نوع معين من المتزلفين.. ولم أنس تبرم الشعب في حائل عام 1373 ـ 1954 بمثل هذه "البيعة" التي جاء سعود يطلبها منهم!، وكنت وقتها منفيا من الظهران إلى حائل بعد أن قام العمال باضرابهم الشهير بتاريخ 167 اكتوبر عام 1953 مطالبين باخراجنا من سجن العبيد حيث لم يرجع العمال إلى العمل ولم يتوقفوا عن الاضراب الا بعد الافراج عنا.. وبعد أن أفرج عنا أخذت علينا تعهدات بأمر الملك سعود بواسطة ـ عبد الله بن عيسى وكيل الامن العام الذي أخذ هذا التعهد علي ـ ونصه: (أنا الموقع فلان.. أتعهد للدولة بأنني لن أخرج من خلف سور حائل وان خرجت من منفاي هذا فإنما أهدر دمي وأحل للحكومة قتلي)!.. فأمرني وكيل الامن العام في الظهران بتوقيع هذا التعهد والحديد ما زال بيديّ والقيد برجلي كما وقعه بقية الاخوة فوقعته وضحكت وقلت: ـ ان هذا التوقيع أو عدمه سوف لن يمنع العصابة السعودية من قتلي إذا أرادت وانما هو احتياط شكلي اتخذ للافراج عنا والتخلص منا بعد موقف العمال الابطال، والذي أضحكني هو ما ذكر بهذا التعهد السعودي: "سور" حائل فرجال هذه العصابة لم يعرفوا أن هذا السور قد هدم منذ أول يوم للاحتلال السعودي المشؤوم.. وقد أخبرت وكيل الامن العام عبد الله بن عيسى بذلك وقلت له: (ان هذه الدولة التي أخذت علينا تعهد الموت جاهلة في بلادنا وخبرتها عتيقة!).. ووصلت إلى حائل مقيد اليدين بتاريخ 10 نوفمبر عام 1953. وفي الطريق بلغنا نبأ وفاة الطاغية عبد العزيز من الاذاعة في ضحى 9 نوفمبر 1953. ولم أخف سروري بهذا النبأ ولم أترحم على الطاغية طبعا وانما جهرت باللعنات عليه أمام جمع من شعبنا احتشد في مدينة بريدة حول السيارة التي نقلتنا إلى حائل.. وبلغنا أن الملك سعود سيقدم إلى حائل لاخذ "البيعة" له بعد والده ورأى بعض الاخوة أن أعد كلمة البلاد ـ أي كلمة الشعب ـ لا لقائها أمام الملك، وأعددت الكلمة. وعلم حاكم حائل جزار الشعب عبد العزيز بن مساعد الجلوي بذلك فاستدعاني لمقابلته، وقابلته في قصره وطلب مني أن أعرض الكلمة عليه فعرضت كلمة موجزة لم يفهم منها شيئا لانه لا يفهم (أي شئ خلف القتل والارهاب وتجميع صفائح الذهب وممارسة النكاح وامتلاك الجواري والعبدات) فقال لي: (يجب أن تحذف منها كلمات الفقر والجهل والمرض)!.. وأردف يقول: ـ (ولا تلقيها باسم الشعب والعمال وأهالي حائل وانما باسم، الامير ابن مساعد والامارة، ويكون القاؤها في قصر الامارة عندما يزورنا الملك في القصر فهذه كلمة زينة!) قلت له: لا ـ طال عمرك: بعض أبناء الشعب طلبوا مني القاء الكلمة باسم الشعب وسوف ألقيها باسمه أما كلمة الامارة فهناك من يلقبها غيري.. ولما رأى الطاغية ابن مساعد اصراري ردَّ علي وهو يهز رأسه غير معجب بمعصيتي له بقوله (بهواك بكيفك) قلت: هذا هو كيفي، وانسحبت منه، وفي يوم 10/12/1953 وصل ركب الملك سعود إلى حائل وشيد له السرادق في جنوب حائل في مكان اسمه "نقرة قفار" فألقيت كلمة أمامه لم ينتبه لما جاء فيها نظرا لكثرة الضوضاء وازدحام الخدم حوله وعدم وجود مكبر للصوت ونظرا لقلقه وخوفه ولأنه "متعب" كما يقول.. وتحرك ركبه حيث ضربت الخيام لخدمه وأتباعه في مكان اسمه "الوسيطاء" غربي حائل وأصدر أوامره باحضار عدد من الحريم إلى قصره المتنقل معه أينما حل وارتحل والمسمى باسم (الصالون) وأحيانا باسم (الحمام).. وتزوج تلك الليلة بثلاث من النساء على الطريقة السعودية المعروفة. وفي يوم 11/ 12/1953 وجهت له دعوة من قبيل مدرسة حائل، وقمت باعداد تمثيلية بعنوان: الفقر والجهل والمرض ـ لتمثيلها أمامه غير أن الاوامر أتت قبيل وصوله بالغاء هذه التمثيلية… وفي الساعة الواحدة ظهرا وصل الملك إلى المدرسة المذكورة وحضر جمع غفير من أبناء حائل بالاضافة إلى من حضر معه من أخوته وجزاريه وخدمه ومنهم عبد العزيز بن مساعد. فألقى الزملاء بعض كلمات الترحيب أمامه. وما أن جاء دوري في الكلام حتّى أمر خدمه بايقاف ما تبقى لأن "جلالته" كما يقولون "متعب" ويريد انهاء هذا الحفل، وحاولت أن ألقيها ولكنني منعت من قبل العقيد المرحوم محمد الذيب ياوره الخاص، فدفعت الذيب بيدي وتقدمت للملك وقلت: ان لدي "كلمة يا طويل العمر" وقد منعني حرسك من القائها بحجة أنك متعب وشعبنا في حائل يعلم أنك لم تأت هنا للسياحة وشم الهواء وانما جئت لأخذ البيعة وفي هذه الكلمة التي منعت من القائها أشياء مهمة عن البيعة يجب سماعها لأنك كنت متعب يوم المجئ ولم تسمعها… وكان الملك قد أعطى الاوامر لقيامه… و تحرك بالفعل من مقعده لترك المكان ولكنه عاد للقعود ثانية وقال (تفضل تفضل ألقها) وهذا نصها: كلمة الشعب (باسم الله الحق، باسم العمال المعذبين، باسم الفلاحين الذين أصبحوا فريسة للمرابين… باسم الجنود الظافرين، باسم البدو المشردين، باسم الشعب العظيم، الشعب الذي حرم من نور العلم طويلا يا طويل العمر!!. يا سعود بن عبد العزيز.. دعني أناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة (فزخرف القول غرورا) والذي لا يجله شعبه لا تجله الالقاب الزائفة بل ولا يجله الله أبدا!!. ان رضى الشعب هو رضى الله!.. ولن يرضى الله سبحانه لمن لا يرضى عنه شعبه لذا، أقول لك… يا سعود؟.. هل تجشمت مصاعب الطرقات الخربة الوعرة ذاهبا إلى الحجاز وتهامة جنوبا عائدا إلى الجوف وحائل في أقصى الشمال متجها إلى القصيم ونجد، والاحساء والقطيف والجبيل في سواحل الخليج العربي شرقا. أقول: هل تجشمت هذه المصاعب والطرقات الوعرة الخربية "يا وريث الملك من أبيه" بقصد الدعاية لنفسك أم الترفيه عن نفسك؟، إذ ليس في مئات المدن والقرى والصحاري التي مررت بها الا الفقراء الذين رأيتهم ـ يمدون أيديهم المقطوعة والموشكة على القطع ـ يمدونها اليك ضارعين من الفقر والجوع والمرض والجهل اللعين… وكان بامكانك أن تقطع هذه المسافات بالطائرات، لكنك قطعتها بالسيارات… ولهذا نحاول اقناع أنفسنا: بأنك جئت حسب الظن بقصد الاطلاع على ما يلاقيه شعبنا في كل أنحاء بلادنا المنكوبة المرزوءة بالظلم والعراء والمرض والشقاء والفقر والبطالة وخراب الديار، وعرفت أنت بنفسك بعد أن تكسر العديد من سياراتك بهذه الرحلة أنه لا يوجد طريق واحد معبد في البلاد كما تعرف أنت أنه لا يوجد علاج ولا معالج ولا ماء نظيف صحي ولا دواء ولا عمل ولا مساكن تليق بالانسان وكرامة الإنسان. وهذا ما جعلك تسكن في الخيام في كل مدينة تحل بها بما فيها حائل، لعدم وجود ما يصلح لسكناك كملك من مساكن شعبنا الحقيرة… وكنت قد أعددت مع أخوة لي من الطلاب تمثيلية بعنوان: "فقر وظلم وجهل ومرض"، لا عرض أمامك بطرق تمثيلية هذه المهازل والجرائم التي يلاقيها كل شعبنا حضره وباديته الكريمة من جراء الادواء الاربعة اللعينة… الجهل .. والمرض.. والفقر والحكم الباطل الذي خلق الاربعة وغيرها، وفي النهاية أعرض كيف يكون القضاء على هذه الادواء وأسبابها وأبيّن أخيرا أنه لا طريقة للقضاء على هذه الامراض اللعينة ومسببيها إلا السيف… أي الثورة على هذه الادواء.. وأدعوك يا سعود ان شئت إلى أن (تقوم بهذه الثورة أنت) رغم علمي اليقين على من لا يعيش الالم تحقيق الامل… كنت أريد أن أعرض عليك يا سعود هذا في تمثيلية الفقر والجهل والمرض والظلم لعلك تضحك فتتذكر فتبكي ـ ولكن التمثيلية ألغيت في آخر لحظة لانك مرهق ـ كما قيل لي ـ بالاضافة إلى عرض هذه عليك علانية وبهذه الجدية، فصديقك من صدقك.. بالامس الأول كنت قد ألقيت كلمة البلاد وقلت فيها بعض ما أقوله الآن وكان مطلعها موجه: باسم حائل قراها وباديتها.. باسم العمال المشردين… باسم الشعب العظيم، غير أنك لم تسمعها جيدا لكثرة ضوضاء المكان.. ولقد عجبت عندما نودي علي يوم أمس في قصر الامارة ليدفع لي مبلع 500 ريال سعودي ويدفع للخطباء الآخرين 200 ريال ولما سألت عن السبب لدفع هذه المبالغ قيل لي انها ثمن الخطب!.. أما أنا فرفضتها بالطبع رفضا لا عودة فيه وقلت: ان كلام الشعب لا يباع ولا يشترى وانما ينفذ بالقول والعمل، ولو أردنا الدراهم لعشنا كما يعيش أصحاب الملايين بما عرض علينا من مقاولات في شركة أرامكو، لكننا كنا ننفق مرتباتنا كلها على الحركة ولمصلحة العمال وكنا نبقى بلا طعام الا ما يتفضل به اخوتنا العمال علينا باطعامنا مما يأكلون ولهذا فقد شردنا وعذبنا وسرحنا من العمل وقيدت أيدينا وأرجلنا وأعناقنا في مقبرة سجن العبيد وصدر أمركم باعدامنا ـ كما بلغنا ذلك من وكيل الامن العام في الظهران ـ .. لو لم تحدث معجزة الافراج عنا نتيجة اضراب العمال الذين لم يجعلوا لهم من مطلب سوى اخراجنا من السجن، حتّى أن العمال قد سجنوا سجنا جماعيا خلف الاسلاك الشائكة في وهج الشمس المحرقة وقطع عنهم الماء ومنع الطعام ثم سمح لهم أخيرا بالطعام ـ ولكنه طعام السم يا سعود ـ هل لاتصدق؟. لقد وضع لهم السم في طعام ذلك المطعم المسمى (مطعم أبو ربع ريال) ومات سبعة عشر من العمال، وقد أسعف الباقون بغسيل بطونهم، وادعت شركة أرامكو الاستعمارية أنه حدث لهم تسمم غير مقصود لأن قدور الاكل غير نظيفة!، ولكنه تأكد من أقوال أحد الاطباء العرب الفلسطينيين الذين يعملون لدى شركة أرامكو نفسها وكشفوا، ضمن الاطباء الذين كشفوا على حالة العمال المتسممين، أن التسمم حادث عن سم حقيقي عثروا على بقيته وثبت هذا وعلى أتم استعداد لأن أثبت لكم كل ما أقول… ولا غرابة، فهذا جزء مما يلاقيه عصب الحياة وأشرف خلق الله: العمال.. العمال الذين هم الشعب كله.. العمال الذين أخرجوا هذا البترول وما يتبع البترول من نعيم لينعم به غيرهم، أما هم فلهم السم الزعاف.. انني أحدثك يا سعود بما حدث وما سيحدث إذا استمرت الحال كما هي عليه الآن.. لقد انتهى عهد والدكم عبد العزيز المظلم وجاء عهدكم الزاهر كما يقال… كان كل من يرفع يده أو رجله باشارة عدل أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق فقد رأسه أو يده أو رجله باشارة عدل أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق يفقد رأسه أو يده أو رجله أو لسانه أو عينه اما بمغريات المال واما بالسيف المميت.. وإذا حدث لكم "المبايعة" مكان والدكم فلا يعني ان هذه "المبايعة" هي: استبدال عهد مظلم بعهد مظلم.. لهذا نرجوا أن يكون عهدكم الجديد زاهراً ـ كما يقولون ـ لأنه ما من أحد منا زار بلدان العالم أكثر منكم ولعلكم بهذه الزيارات قد عرفتم أو سمعتم أو رأيتم كيف تحكم بلدان هذا العالم وتساس.. بل ان هناك بلدانا أخذت استقلالها قريبا أو أنشئت من عدم، فأصبحت أكثر من بلادنا تقدما وازدهارا وتحررا وحرية واسلاما!.. ولهذا نريد من عهدكم أن يكون زاهرا!.. ولا يمكن لأي عهد أن يزدهر ما لم يقر بحقوق الشعب، كافة حقوق الشعب، ويتسلم لاشعب ادارة بلاده بنفسه وعقله وأيدي أبناءه المخلصين، ولمن يحقق هذه المطالب.. يمنح شعبنا الثقة ـ لا ـ البيعة ـ فالبيعة عادة لا تأتي الا عن طريق البيع والشراء.. والبيع والشراء لا يذكر ـ الا ويذكر إلى جانبه العبيد ـ والمال خراب الذمم… أما الثقة فتمنح بناء على ما يلي: 1 ـ شهادة حسن السيرة والسلوك القويم للشخص الذي يمنحه الشعب ثقته ليكون لها أهلا… 2 ـ ايمان من يُمنح الثقة بالمثل العالية والمبادئ الإنسانية العادلة التي جاء بها الرسول والانبياء. وبعد هذا نطرح فيما يلي: مطالب شعبنا التي بموجبها يمنح الثقة لمن هو أهلها ليكون الشعب وحده هو المسؤول عن حكم نفسه بنفسه.. 1 ـ اقامة مجلس للشعب أي "برلمان" حر ينتخب الشعب أعضاءه انتخابا حراً ممن رضي الشعب عنهم. 2 ـ يضع أعضاء هذا البرلمان الحر بعد انتخابهم دستورا للبلاد تحكم البلاد بموجبه ولن يشذ هذا الدستور عما جاء به القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة وروح العدل الذي دعا بها رسل الحرية والانسانية.. 3 ـ يسن هذا البرلمان الشعبي كل القوانين والمراسيم والتشريعيات التي ستلغى بموجبها جريمة بيع وشراء الإنسان للانسان، جريمة تجارة الرقيق الذي لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم كما يوجد في بلاد كان شعبها فيما مضى قد حرر الإنسان من عبودية في ثلاثة ارباع العالم.. انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر؟…

ة لانني لو توقفت فسأعطي الملك فرصة لمغادرة المكان ومقاطعته للكلمة، وقد بلغت بي الاحاسيس وقتها أن الملك سيقتلي فاردت أن ابّين للناس: على أي شئ يُقتل مثلي وبذلك اكشف لبعض المخدوعين عن جنون ملوك آل سعود وغدرهم، وكيف أن أحدهم حين يستولي على المُلك اغتصابا ويعتبره ارثا لأخوته ثم يأتي الملك المغتصب الجديد ليضحك على السذج طالبا منهم البيعة!.. أي بيعة هذه؟.. وقد قلتها له قلت: (لا بيعة ولا شراء.. بل ثقة الشعب يمنحها لمن يخدم الشعب لا لمن يخدمه الشعب)!… وبلغ بي شعور اللامبالاة حينما اشرأبت اعناق الحاضرين تتوقع ما يحدث لي من الملك فأعطاني بعضهم اشارات بالسكوت! فتماديت ليعرف الناس ما فعلت وما قلت، ولكي لا أعطي فرصة للملك أن يزيّف ما قلته بالدجل السعودي المعروف حينما ألقيت الخطاب أمام الملك في حضور الجموع المجتمعة في مدرسة حائل، وكنت قد رفضت مشورة واحد من أقرب حراس الملك المقربين عندما عرف الحارس بكلمتي قبل أن القيها نصحني بعدم القاء الكلمة في مكان عام وقال: "انّه سيهئ لي فرصة الاجتماع بالملك في مخيمه ـ بالوسيطا ـ فألقي الكلمة أمام الملك بحيث لا يحضر الا الوسيط وعدد قليل من الحرس وطلب مني أن أخفف اللهجة واستبدل الشدة بتأييدنا للملك وطلب عفوه واعادتنا إلى العمل في الظهران والسماح لنا بمغادرة المنفى، وأن لا أعرض في كلمتي مثل هذه المطالب العامة" ولكني قلت للاخ الحارس المقرب (صالح علي السالم): لا يا عزيزي.. انّه سيأمر بقتلي لو تكلمت معه في خلوته ويلفق أي تهمة يراها ضدي، ولهذا سأقولها في أي ميدان أجده أوسع جمهرة من غيره.. وبالفعل وجدت الفرصة سانحة في مدرسة حائل.. وربما لم يستطع قتلي لان الناس قد عرفوا ما أريد.. أو لانه رغم ظلمه وطيشه كان أعقل وأعدل أخوته الذين تبعوه وما زالوا يتوارثون الحكم اغتصابا من بعده.. لكن الملك سعود لم يخف غيظه، بل قاطع خطابي بصراحة أمام الناس كما قلت، ولما لم أعره سمعا ولا طاعة أمر "ياوره" العقيد محمد الذيب بقوله: (خذها.. خذ الورقة منه) وكرر قوله لي أمام الناس: (أنتم مجرمين.. انّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون ويسعون ويسعون) وعلق لسناه على "ويسعون" فجاء إلى جانبه مبعوث من الجامع الازهر كان يدرس في مدرسة حائل ولقنه بقية الآية وهو يبتسم.. أما المرحوم الذيب "ياور" الملك فقد تمكن من سحب الورقة من يديّ وسلمتها له حفاظا على عدم تمزقها بين يدي ويديه.. وعندما وقفت أمام وجه الملك وقلت له متسائلا: (من هم الذين يحاربون الله ورسوله؟! ان الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ويجب أن يقتلوا ويصلبوا وينفوا من الأرض إلى غير رجعة، ليسوا العمال الشرفاء وانما هم أولئك الذين نزلت بحقهم الاية الكريمة وأمثالهم من هم افسد ممن حاربوا النبي محمد بن عبد الله سابقا ـ انهم الامريكان في الظهران أعوان إسرائيل وأعوانهم اليهود وأذنابهم في هذه البلاد. والهيئة الملكية التي أرسلتموها لنا بحجة إنصافنا من شركة أرامكو الاستعمارية ولكنهم ارتشوا من أرامكو وألقوا بنا في غياهب السجن مما دعا العمال للاضراب مطالبين بالافراج عنا ومنع اعدامنا، ثم أفرج عنا لكننا نفينا بعيدا عن مناطق نفوذ الامريكان. والذين يقتلون الفضيلة هم الواجب قتلهم. والذين يأكلون الحق ويزيفون الدين هم المفروض تقطيع أيديهم وأرجلهم. أنني أقول الحق وبعد هذا لا يهمني أن تقتلني يا سعود)!.. ولم يتركني حتّى أتوقف عن كلامي بل سحب عباءته التي سقطت حينما وقف غاضبا وأمسك بيد حاكم حائل الجزار ـ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود ـ ووقفا معا وسعود يردد: (هذا الحفل زين لكن خرّبه ابن سعيد)!.. ومشيت خلفه، ولكن أخاه الامير محمد بن عبد العزيز أمسك بيدي، وعرفني بنفسه وعلى ابن عمه فيصل بن سعد وقال: (أنصحك أن لا تتبع الملك انني أخاف أن يقتلك لانها أول مرة يقف فيها مواطن أمام ملك بهذه المطالب ويتكلم بهذا الكلم أمام الناس. وأنا معكم وأشهد أنكم على حق وأن قضيتكم راحت وأضاعها الدولار، وثق أنني سأقف معكم ولكن أترك الملك يروح، وتعال لي الليلة بعد المغرب في القصر الذي أسكن فيه. تعرفه؟ أنا أسكن في قصر نوره).. قلت له سآتي اليك الليلة.. قلتها وأنا أعلم أن كل ما يقوله الامير محمد لا يخرج عن كونه دجلا من دجل الامراء ولم يقصد الا سكوتي واسكاتي، أما الذين حضروا ذلك الحفل فقليل منهم اتهمني بالجنون (لانه لا يتكلم مثل هذا الكلام الا فاقد العقل!) كما قالوا، فقلت لهم: كم نحن بحاجة إلى، ولو قلة من، المجانين يرفعون عن "عقلاء" الذلة عار المذلة.. وكم تمنيت لو أصيب كل شعبنا بالجنون الثوري الذي سبق وان اتهم به النبي محمد ويسار صحابته وكل الانبياء… أما قسم منهم فقال "انني جرئ" وقسم أيدني بلا تحفظ. أما أنا فلم أقدم على ذلك ـ حسب شعوري ـ ذلك الوقت الا بدافع من حبي للوطن وألمي الشديد ان أحيا في بلد يسوده أقذر حكم عرفه التاريخ الوسيط والحديث.. ولا يهمني بعد ذلك من يتهمني بالجنون أو الجرة أو يؤيدني فكلهم من "عقلاء" الملذات ما داموا لا يعملون لدحر الطغاة.. وقد كنت أبحث عن الموت باسمى طرقه… أما الامير محمد بن عبد العزيز فلم يخف "تأييده" لي لدى كل من قابله من أهالي حائل ـ ربما لادراكه أن الاكثرية تؤيد ما قلته وهي ضد آل سعود قاطبة، ورحت تلك الليلة إلى الامير محمد فوجدته يجلس في سطح القصر ولديه عدد من الامراء قدمني لهم "بشئ من الثناء" وطلب مني (أن أكتب تقريراً له في كل ما نريد!) وقدم لي الورق والقلم فكتبت بخط يدي كل ما يريده العمال والفلاحون والجيش والشعب كله واحتفظت بصورة منه.. وقبل أن أسلمه تلك المطالب الوطنية قرأتها عليه ليستوعبها فقال لي الامير محمد: (اني مسافر اليوم مع الملك وسأقدمها للملك سعود وسأقف إلى جانب هذه المطالب!) وأضاف: (ولكنني أطلب منك أن تتوجه إلى الرياض لتكون قريبا منا وتسكن في ضيافتي عندي في قصري وسأقوم بكل ما تريدون)!.. ولكن كل هذه الاقوال ذهبت مع غيرها من أقوال الامراء الكاذبة… وكانت هناك دعاية وهمية يرددها السذج آنذاك عن "طيبة وديمقراطية" هؤلاء الامراء، أمثال الامير محمد( ) ، وسلطان وفيصل وأولاده وطلال ومشتقاته لان هؤلاء الامراء التجار الكبار اعتبروا الكلام لا يصرّفها أمثالهم الا على الشعب المستهلك الوحيد لبضاعتهم الكاسدة باظهار عطفهم الزائف على "الوطن والوطنيين" حتّى أن الامير عبد الله الفيصل عندما ذهبت إليه شاكيا الوضع الفاسد بصفته كان وزيرا للداخلية استنكر معي ما يلاقيه العمال من ظلم واضطهاد من جراء الحكم الفاسد وشركاته وطلب منها أن نحني رؤوسنا كما قال "للعاصفة حتّى تمر ويأتي والده فيصل" وأظهر ميولا نحونا بل طلب منا اغتيال الملك سعود، كما سيأتي في كل مكان آخر.. بل وسلم لي تقريرا جاء له به (طلعت وفاء) المدير السابق للامن العام (الذي اغتاله "الفهد" فيما بعد وقيل انّه انتحر في لبنان وكان يعارضهم لاحالتهم اياه على المعاش) قدم هذا التقرير وأنا عنده، وكان قد كتبه "جون فيلبي" عن تاريخ هذه العائلة السعودية وأوضح جون فيلبي دوره الكامل في خلق هذه العائلة وتكوينها وحملها وفصالها وكيف أنشأها الانكليز وقال فيلبي: (ان الفضل في ذلك يرجع إلى فيلبي أولا والسير برسي كوكس ثانيا) ولقد سلم لي عبد الله الفيصل وزير الداخلية السابق هذا التقرير ربما دون أن يقرأه قائلا: (خذ هذا واقرأه فقد ينفعكم وقل لي رأيك فيما يكتب فينا وأعده اليّ).. وبالفعل فان هذا التقرير قد "نفعنا" ولكني لم أعيده إليه ولم "أقل له رأيي فيه" وانما نشرت معظم فصوله في هذا الكتاب.. ولما قرأته قلت لنفس: سوف لن أعيد هذا التقرير مرة أخرى إلى من لا يعرف قيمة هذا التقرير اللهم الا إذا طلبه مني، ولكنه لم يطلبه مني فقد نسيه الامير المحروم "من كثرة الحرمان" وكان جون فيلبي قد أعلن غضبته على سعود وعائلته "لما عاملوه به من جفاء كفرانا بفضل خالقهم" عندما وجدوا أن النفيعة الامريكية أحسن مذاقا وأجدى نفعا من نفيعة الانكليز. وكان جون فيلبي يشعر بمرارة لابعاد من قبل سعود تفنيذاً لرغبة الامريكان، وكان فيلبي قد وسط بينه وبين سعود حسين العويني العميل السعودي المعروف الذي ألحقه جون فيلبي "في عضوية مجلس الربع السعودي" التابع لعبد العزيز ـ ورشحه السعوديون لرئاسة وزارء لبنان مرارا … وقد صب جون فيلبي جام غضبه على سعود وأفراد عائلته الذين تنكروا كما يقول فيلبي (لأصدق صديق لوالدهم، تنكروا لمن حكم مكة من أول يوم دخلناها ولمدة 37 يوما حكما مباشراً حتّى روضها وحكم الجزيرة العربية 40 عاما حكما غير مباشر ـ عندما ـ كان كل الحكام يسيرون بأمري ويستعطفوا مني كلمة صالحة في حقهم أرسلها في تقرير إلى لندن لطلب العون والمال والسلاح والحماية وقد صليت بالناس إماما في الحرم المكي وصليت بوالدكم اماما عندما تتهمونني الآن فقط بأنني غير مسلم. ان والدكم كان يأتمر بأوامري ولا يرى بعد رأي أي رأي. أنني مواطن عربي الآن ولو كان والدكم حيا لما سمح لكم بهذا التطاول علي الذي هو تطاول على والدكم في الحقيقة، لو كان أخي عبد العزيز بن سعود في الوجود لما رضي بابعاد والدكم عبد الله فيلبي، لو كان والدكم عبد العزيز حيا لقال لكم من أنتم يا أبنائي الذين تتجرأون على منشئ دولتنا الحاج عبد الله فيلبي ومربيكم أنتم بالذات وقد قالها أخي عبد العزيز بالفعل عندما انتقده عدد من مشايخ القبائل والدين "لتقريبه لعبد الله فيلبي والاخذ برأيه لأنه انكليزي" قال عبد العزيز: "هل تذكرون أولا من نحن وأين نحن وكيف كنا لولا عبد الله فيلبي والانكليز؟". ورد عبد العزيز على نفسه قائلا: "كنا مطرودين نعيش على فضلات صحون آل صباح في الكويت لولا الانكليز ومواقف الاخ عبد الله فيلبي الصديق الصدوق الذي لا يمكن أن ننسى فضائله علينا فإذا تنكرون علي أخذ مشورة عبد الله فيليبي لانه انكليزي فأحب أن أذكركم أن كل ما تأكلونه الآن هو من عند الله وعند الانكليز والسلاح الذي معكم من الانكليز والريالات التي في جيوبكم سكها لنا الانكليز والذهب الانكليزي الذي معكم هو صنع الانكليز وثيابكم وعمائمكم من غزل الانكليز ولكنكم الآن تسبون المظهر وتنسون الجوهر.. هذا ما قاله والدكم عبد العزيز عني.. وكنت أصلي إلى جانب والدكم خلف إمامه الخاص، وكان أمامه إماما متعصبا ضد الانكليز "الكفار" مما أثار غضب والدكم عبد العزيز أثناء الصلاة حينما قرأ هذا الامام الآية القرانية القائلة: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" فتوقع عبد العزيز أن إمامه كان يعني "بالذين ظلموا" عبد الله فيلبي والانكليز الموجودين معنا آنذاك فتقدم عبد العزيز بعصبية نحو إمامه واجتذبه أثناء صلاته ورماه أرضا، ثم تقدمنا في الصلاة بنفسه وتلا الآية التالية: "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين"… هذا هو والدكم عبد العزيز ولكن المغريات الامريكية أغرتكم بزخرفها عن أصدقاءكم الاولين الحقيقيين، لكن أملي بالامير فيصل قوي أن يعيد النظر ويتمسك بسياسة والده القديمة!.) هذا هو جزء من التقرير والرسالة اللذين كتبهما جون فيلبي بتاريخ 14/6/ 1954 من بيروت، أما الاجزاء الاخرى فقد استفدت منها في أماكن أخرى من هذا الكتاب.. وعندما قابلت عبد الله الفيصل مرة أخرى بعد أن سلمني ذلك التقرير، توقعت أن يسألني عنه، لكنه لم يسأل وانما طلب أن أركب معه بسيارته وذلك عشية 22/6/ 1954 وأخذ يؤشر لي على بعض عماراته في جدة ويقول: "ان هذه كلها من المرحوم جدي البطل عبد العزيز الذي يعزني كثيرا أما سعود فوجه فقر" وأردف قائلا: "أنا أعرف أنكم تعملون للثورة وان الثورة ستقوم لا محالة مهما أخذنا احتياطاتنا ضدها ولكن المؤسف أن الثوار سوف لن يميزوا بين سعود الفاسد المجنون وبين الوطني المخلص عبد الله الفيصل أو والده فيصل هذه هي مشكلة الثوار:، قلت للامير عبد الله: "صحيح أنه لا يمكن التمييز بينك ووالدك وبين سعود وأولاده وبقية العائلة لان ساعة الثورة ليست ساعة تمييز وانما هي ساعة اصدار حكم وابادة حكام ولكن لماذا لا تثورون على أنفسكم أنتم ليمزكم الثوار الحقيقيون؟!". قال: ألا يوجد من العمال من يخصلنا من سعود وظلمه؟" قلت: "ان المسألة هي التخلص من النظام الفاسد ونحن لا نؤمن بالاغتيالات الفردية ولم نقرها بعد ولو اقريناها لكان بامكاننا التخلص من سعود وأمثاله".. قال الامير: "تعالى لي مرة أخرى لنتحدث أكثر فأنا الآن معزوم على العشاء لدى "ابن زقر" وها هو بيته ولا أريد أن تدخل معي عنده فقد يكون عندهم من ينقل الكلام لسعود فاتهم بمناصرة العمال"… وتركت الامير لأسافر إلى الرياض، وفي الرياض اتصلت مرة بالوزير الامير سلطان وزير الدفاع حاليا فعرضت عليه بصفته وزيرا ما يلاقيه العمال من طغيان، فأركبني معه في سيارته حيث كان متجها من بيته إلى مجلس الوزراء ومر بي ما بين أكواخ بالية وقصور عالية تقع كلها متلاصقة ومتقابلة في جنوب الرياض وكأنما هي تبارز بعضها، فأخذ الامير سلطان يؤشر لي بيده على القصور والاكواخ وهو يقول: (انظر إلى أصحاب هذه الاكواخ كيف يموتون وانظر إلى أصحاب هذه القصور كيف يعيشون. أصحاب هذه الاكواخ هم الشعب وأصحاب هذه القصور هم قلة من مستغلي الشعب. فأين الإسلام عنهم؟)!… وتابع الامير قوله التجاري قائلا: (لو أن الإسلام قد طبق حقا لسكن أصحاب هذه الاكواخ فيه هذه القصور ولما استحق أصحاب هذه القصور أن يسكنوا حتّى في هذه الاكواخ لكن الإسلام أصبح غريبا وأصبح أمثالكم عندما يطالب بحقه المشروع وعندما يطالب بايجاد عمل له من أجل أن يعيش ويعيش أولاده ويستر عورات أهله من العار يتهم بأنه شيوعي خطير. كيف اتهموكم بالشيوعية؟).. قلت: (الذين اتهمونا بالشيوعية هم ركائز الخيانة والاستعمار، اذاعة إسرائيل حينما سجنا عام 1953 أذاعت "بأننا شيوعيين" واذاعة صوت أمريكا أذاعت "بأننا شيوعيين" ووزعت شركة أرامكو تزعم "أننا شيوعيين" وأشاعت أرامكو وأذنابها من الحكام "بأننا شيوعيين" كما كتبت الهيئة الملكية التي أرسلها سعود لنا بأنني شيوعي وذلك عندما لعنتها في مطار الظهران ونسفت "المنضدة" في وجوههم عندما قال لي أحد أعضائها "نسيب السباعي" ان الله أمركم باطاعة ولاة الأمور كما يقول: "أطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم" ـ ومن ولاة أمركم الامريكان!.. وهذا هو مصدر اتهامنا بالشيوعية، رغم أننا لم نعمل ساعة للشيوعية ولم نطالب لحظة بالشيوعية وانما كان مطالبنا وطنية وعمالية وقومية ودينية بل وجزء من هذه المطالب يتجه آنذاك مباشرة ـ بمضمونه ـ لايجاد "رأسمالية وطنية" في البلاد أي لتحويل هذه الاموال "التي سرقها أصحاب القصور من أصحاب الاكواخ" لانشاء صناعات ومصانع ومؤسسات وطنية أول ما يستفيد منها أصحاب رؤوس الاموال واللصوص أنفهسم وبالتالي تنقذ أصحاب الاكواخ من الموت البطئ والمرض القاتل والجهل المقيت، بدلا من تهريب هذه الاموال إلى الخارج "هذا ما قالته ألسنتنا أما نحن فالحقيقة اننا أخطر من الشيوعيين!).. قال الامير: كيف؟.. قلت اننا "عمريين" نؤمن بمبدأ عمر بن الخطاب الذي حاسب الشعب بموجبه عمر بن الخطاب نفسه ـ وهو عمر بن الخطاب ـ حاسبه على نصف بوصة زائدة في أسفل ثوب عمر بن الخطاب ـ حتّى أثبت عمر ـ بان ذلك الثوب لم يكن ثوبه وانما هو ثوب ابنه عبد الله استعاره منه لاداء صلاة الجمعة، وهذا المبدأ "العُمري" الذي طبق منذ مئات الاعوام في أرضنا المظلومة هذه لم يطبق حتّى الآن في بلد الشيوعية وإنما طبق في الجزيرة العربية قبل أن يعرف الناس الشيوعية، نعم.. لقد طبق قانون عمر القائل: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟) وكذلك قانون علي بن أبي طالب القائل (ما جاع فقير إلاّ بما متع به غني) وإذا كنت تؤمن يا صاحب السمو بما تقول "عن حق أصحاب الأكواخ في باطل سكان القصور" فاعمل بما تقول وستجد أن بإمكانك تحقيق شيء من الإسلام!.. ولا أقول كل الإسلام!).. قال الأمير سلطان: (إنني مثلكم ليس بيدي تحقيق شيء مما قلت)!.. قلت: (أن لديكم حصانة ـ أميرية ملكية ـ أما أنا فأنا أقاوم كل القوى الشريرة: الأمريكان، وشركة أرامكو والرأسماليين وكل أجهزة الحكم ضدي وليس معي حتّى أصحاب هذه الأكواخ النائمين، لكنني مع هؤلاء الذين لا يجدون حتّى الأكواخ ومن يعيشون على براميل الزبالة عند أبواب القصور!)… قال الأمير : (هل تعلم أنني اتهمت بالشيوعية؟… وأنهم يقولون عني الأمير الأحمر؟!.. وإنني موضوع في القائمة السوداء؟!).. قلت بتهكم واضح على هذا الكذب: (يجوز؟.. جائز جداً انك أمير أحمر فعلاً!).. وتركت الأمير ليدخل مجلس الوزراء السعودي فتعلن صحف البلاط وأذاعته بعد ذلك: (إن مجلس الوزراء قد عقد جلسته الهامة ونظر في الأمور المدرجة في جدول أعماله) بل جدول إهماله… هذا هو نوع من أقوال أمراء التهريج أولاد عبد العزيز الطاغية الذي أوصاهم قبل موته في تعريفه للسياسة (إنها السياسة يا أولادي هي قل مالا تفعل وافعل ما لا تقول)!
4 ـ يسن ممثلو الشعب في مجلس الشعب قانونا يحرم جريمة قطع الايدي والارجل فهذه الجريمة لا تطبق إلا بحق العمال والفلاحين والجنود والعاطلين عن العمل من أبناء البادية المعذبين ومن لا يجدون لقمة العيش، والمضحك أن من يطبقها هم الذين ينص القرآن الكريم على أن تُطبق بحقهم.. أنهم اللصوص الكبار الذين اصبحوا حكاما. 5 ـ تلغى عقوبة جلد المواطنين بالطرقات وغير الطرقات وتستبدل بالاعمال والتعليم والتهذيب مكان التعذيب، وتحال السجون إلى مدارس لا يدخلها إلا من تثبت تهمته بعد مذكرة توقيف عدلية وبعد التأكدات اللازمة والتحقيق النزيه بأنه يستحق حكم القضاء… 6 ـ يصدر قانون عمالي ينص بانتخاب نقابات عمالية نزيهة يجمعها اتحاد عمالي واحد نزيه يكون هو المسؤول أمام الحكومة ويتولى الدفاع عن حقوق العمال المهدورة التي ستبقى مهدورة بدونه إلى الابد. 7 ـ الغاء اتفاقية قاعدة الظهران الذرية والاستغناء عن الجيوش الامريكية الاجنبية بجيش عربي قوي مسلح باقوى واحدث انواع الاسلحة يحمي البلاد التي لا يمكن أن تحميها قوى الاجانب والاعداء الذين باعوا واضاعوا فلسطين العربية والتي لا يمكن لها أن تعود الا بقوة العرب ووحدة سلاحهم وأرواحهم. 8 ـ انشاء صناعة خفيفة وثقيلة في كل أنحاء البلاد والبحث عن المعادن وإدخال أبناء البادية في هذه المصانع. فأبناء البادية يكونون 60 بالمائة من مجموع الشعب كله ويلاقون من العذاب أقسى ألوانه. 9 ـ انشاء بنوك زراعية لاستصلاح الاراضي البور واقامة المزارع وتسليمها لجموع الفلاحين الذين هم واقعون تحت انياب الوحوش من تجار الربا، وتوطين قسم من أبناء البادية المعذبون في هذه الاراضي ليفلحوها.. أما القسم الآخر فيصبحون في المصانع عمالا. 10 ـ اصدار قانون يفرض التجنيد الاجباري فرضا على كل مواطن (ولا أقول كل مواطن ومواطنة لأن هذا القول سابق لأوانه في مثل وضعنا الحاضر) ليصبح الشعب كله مسلح أمام الاعداء وليس في هذا ما يخالف تعاليم النبي العربي محمد بن عبد الله كما يفتي البعض وهذا ما فرضه علينا الدين. 11 ـ اصدار قانون يفرض التعليم الاجباري على كل ذكر وانثى في كل مراحل التعليم فهذا ما فرضه النبي محمد علينا فرضا: (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة). 12 ـ اصدار قانون ينص على اطلاق الحريات الديموقراطية ومنها حرية الصحافة والاجتماع والتعبير ومنع العدوان على حريات الآخرين. 13 ـ اعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم، ونحن منهم وعدم تسريح أحد من العمال لكيلا يكون علاة على هذا المجتمع.. وعدم نفي أحد أو أسقاط الجنسية عن أحد. وعلى مثل هذه الاسس المشروعة في الشرائع العادلة ووثيقة حقوق الإنسان يمنح الشعب ثقة الشعب ـ لا يبعيها ـ للحاكم الذي يحافظ على هذه الثقة ولا يبيعها هو أيضاً… هذا هو الرأي الآني للعمال المشردين يا سعود، رأي الفلاحين المعذبين ورأي الجنود ورأي سكان الصحراء من ابناء البادية الذي سبق لبعضهم أن قاتل إلى جانب هذا الحكم السعودي ولا زال يطحنهم ظلمه البغيض، وأخيرا، مرحبا بك في بلد الكرام المضياف ـ حائل الجميلة العظيمة ـ حائل بلد الشجعان، حائل الجزء الذي يلاقي ما يلاقيه غيره من بقية أجزاء الوطن من مظالم وفقر وجهل ومرض عّم انحاء الجزيرة العربية كلها ولا قضاء عليه إلا بحدوث معجزة… زلزلة تزلزل الماضي والحاضر.. فيحيا من يحيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وتبنى البلاد من جديد لتعيش في جنة المستقبل … جنة المساواة… جنة الكفاية والعدل… جنة يتساوى فيها الناس في خيرات بلادهم، في كل ما في باطن الأرض وما عليها وما فوقها لكيلا يعيش من لا يعمل عالة على من يعمل، بينما العدل هو أن لا يعيش من يعيش عالة على كدّ الآخرين.. كما تقول الآية: (وان ليس للانسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى)… والسلام على من اتبع الهدى. (11/12/1953 م) الساعة السادسة عصرا بالتوقيت المحلي غضب الملك وأفتى باعدامي كان هذا هو النص الحرفي لكلمة الشعب التي ألقيتها أمام الملك سعود في حفل مدرسة حائل ـ ولا داعي لاعادة نشر الخطاب الأول الذي ألقيته قبل هذا بيوم واحد هو يوم وصول الملك سعود لحائل نظراً لما بين هذا وذلك من تشابه، وهذا الخطاب كان سبب تعرفي بالضابط الحر محمد الذيب رئيس حرس الملك الخاص الذي اغتاله ـ آل فهد ـ عام 1959 في المانيا الغربية بحقنة لم تكن الاولى من نوعها وانما سبقتها محاولات أخرى كان قد اطلعني الشهيد الذيب عليها وقد التقينا في طهران مرارا وفي الرياض ومنها ثلاث مرات في بيت الشهيد الحر عبد الرحمن الشمراني، وكان الذيب هو الذي ابلغني بالامر الملكي الصادر بقتلي ليلة 11/6/ 1956، واختفيت من غرفتي بينما واصلت الاتصالات بالعمال حتّى اضطررت لمغادرة البلاد يوم 18/6/1956. فاعود الآن إلى يوم 11/12/ 1953 وموقف الملك سعود من تلك الكلمة سالفة الذكر… لم يتركني الملك أتممها.. بل أخذ يصرخ بقوله (كفى كفى أنتم مجرمين أنتم مجرمين أنتم مفسدين) وتلا الآية القرآنية كإيذان بقتلي: (إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) ولكنني لم الق له بالا فقد استمريت في قراءة كلمتي رافعا صوتي إلى أعلى موجاته متجاهلا قول الملك رغم سماعي له جيدا لحرصي على اكمال كلمتي إلى النهاي…
نهاية الجزء التاسع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق