الأحد، 24 مارس 2013

إذا تحقق صاحب المتاع المسروق بأمارات قوية أن هذا المتاع متاعه فترتب على إخبار السارق ما ذكره في السؤال جاز له أخذه بدون علمه والحالة هذه والله اعلم

السلام عليكم: سرق لي شيء معين واتهمت شخص معين بسرقته فحلف أنه لم يسرقه، وبعد مده من الزمن عثرت عليه عنده، ولو أخبرته بذلك حصل نزاع طويل بيني وبينه؛ فهل يحل لي أخذه خفية بدون علمه أو لا ؟
الشيخ جعفر الطلحاوي من علماء الأزهر
2011-10-11
الاجابه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد
فإذا تحقق صاحب المتاع المسروق بأمارات قوية أن هذا المتاع متاعه فترتب على إخبار السارق ما ذكره في السؤال جاز له أخذه بدون علمه والحالة هذه والله اعلم. له أن يستوفي حقه ذلك  مستخفيا أو معلنا بحيث لا يؤدي إلى فتنة أو ظلم بأخذ أكثر من حقه المشروع، فمن أخذ حقه فقط فقد انتصر لنفسه، والانتصار قصاص مشروع لقوله تعالى: "وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ" [الشورى :41] ولقوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [البقرة:194]
وهذا النص الكريم كما يقول القرطبي رحمه الله تعالى قاطع في موضع الخلاف، ومن ذلك ما إذا كان شخصان لكل منهما حق على الآخر فجحد أحدهما حق صاحبه فللآخر أن يجحده فيما يعادل حقه، وذلك لوجوب حفظ المال وصيانته بكل سبيل كالنفس تماما بتمام فحرمتهما واحدة، وكذا العرض، قال رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقال: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، والمدافعة عن المال واجبة شرعا وعقلا كالمدافعة عن النفس.
أما حديث "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" فلا يصلح للاحتجاج به في رد ما نقرره هنا من مشروعية استرداد الحق السليب؛ لأن انتصاف المرء واسترداده لحقه ممن سلبه أو أنكره وجحده أو اغتصبه ليس خيانة بل هو حق واجب وإنكار منكر، وإنما الخيانة أن يخون بالظلم والباطل من لا حق له عنده. 
وإن كان هذا الحديث في ظاهره دليلا على أنه لا يجازي بالإساءة من أساء لكن حمله الجمهور على أنه مستحب انتصافا لدلالة قوله تعالى: "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [الشورى: 40] ولقوله تعالى: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ" [النحل:126] فهاتان الآيتان تدلان على جواز الانتصار، وإن كان الانتصار لا يخلو من الإساءة إلا أن الشرع الحنيف بهاتين الآتين ينص على ضرورة المثلية في الاقتصاص منعا لهذا التجاوز. ودليل الانتصار والاقتصاص أيضا قوله تعالى: "وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ" [المائدة:45] وقوله تعالى: "وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [البقرة:194] وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ" (الشورى:39-41).
هذا المقطع الكريم من سورة الشورى امتدح الله تعالى فيه الانتصار من الباغي بآيتين وقد توسطتهما آية المثلية "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا" بل إن الله تعالى قد وعد من ينتصر ممن ظلمه بالنصر والغلبة والتمكين فقال: "ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ" (الحج:60).
 ومن أدلة مشروعية الانتصاف والظفر بالحق المسلوب من السنة النبوية؛ أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من رأى منكراً أن يغيره بيده إن استطاع، فمن قدر على قطع الظلم وكفه وإعطاء كل ذي حق حقه فلم يفعل فقد قدر على إنكار المنكر ولم يفعل فقد عصى الله ورسوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – واستدل لكونه إذا لم يفعل يكون عاصياً بقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة:2) قال: فمن ظفر بمثل ما ظلم فيه هو أو مسلم أو ذميّ فلم يزله عن يد الظالم ويردّ إلى المظلوم حقه فهو أحد الظالمين ولم يعن على البر والتقوى بل أعان على الإثم والعدوان.
 ومن الأدلة أيضا ما ورد في صحيح البخاري كِتَاب الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ.  باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ. أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا فَقَالَ "لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ" في هذا الحديث الصحيح  أذن النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - لهند بنت عتبة بالأخذ من مال زوجها لتقتيره وشحه بقدر حاجتها هي وأولادها وألا تأخذ إلا القدر الذي يجب لها قال ابن بطال: حديث هند دال على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه، وقول البعض بعدم جواز ذلك  إلا بحكم لظاهر النهي في الحديث "لا تخن من خانك" ولقوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة: 188].
الرد عليه أو الجواب على ذلك أن المعتدى عليه أو المظلوم في استيفائه لحقه وانتصاره من ظالمه ليس في ذلك آكلاً للمال بالباطل والحديث يحمل فيه النهي على التنزيه.
 وبهذا الرد على الأخير تقوى وتعزز الإجابة بالجواز ردعا لمن تسول لهم أنفسهم غصب الحقوق ونهب الأموال إذا ما عرفوا أن الحقوق لا تسقط بحال وأنه لا يموت حق وراءه مطالب فترعوي نفوسهم وتنزجر وتحرص على الأداء والوفاء بحب وكرامة، وقبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار. هذا وممن قال بالجواز من سلف هذه الأمة ابن سيرين وإبراهيم النخعي وسفيان ومجاهد رحمهم الله تعالى لقوله تعالى : "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ" [النحل:126].
والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق