الأحد، 24 مارس 2013

لزوجي صديق حميم لاشيء عنده أعز منه وإذا دخل منزلنا يجعله زوجي كأحد أفراد العائلة في كل شيء حتى في مقابلتي عارية الرأس مكشوفة الوجه. فهل الشريعة الغراء تبيح لي أن أكشف رأسي أمامه إرضاء لخاطر زوجي أو لا تبيح ذلك؟ ولو أدى الحال إلى غضب زوجي ونفوره مني مع العلم بأنه أجنبي منا ؟..


الشيخ جعفر الطلحاوي من علماء الأزهر
2011-10-15
الاجابه
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد
فلما كانت الفتنة مشتركة بين الرجل والمرأة، فكما يخاف الافتتان بها تخاف الافتنان به. وفي صحيح مسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء". ولقوله تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء" ولقوله عليه السلام: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وفى المستدرك عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صباح إلا ومناديان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال" كانت مشروعية الاحتجاب بين الرجال والنساء، والاحتجاز بينهما درءا للفتنة، وحسما لمادة الشيطان، والنساء حبائل الشيطان.
ويدلُّ عليه من السُّنَّة حديث أُمّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قالَتْ: "كُنْتُ عِنْدَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةَ، فأَقْبَلَ ابنُ أُمّ مَكْتُومٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أنْ أُمِرْنَا بالْحِجَابِ، فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْنَا يَا رَسُول الله ألَيْسَ أعْمَى لا يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَفَعَمْيَاوَانِ أنْتُمَا؟ ألَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟". ويبقى معنى هذا الحديث واضح غاية الوضوح في عدم حل أو مشروعية هذا الاختلاط الآثم، الذي تترتب عليه مفاسد جمة وأضرار خطيرة.
وهاهو حديث صحيح آخر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم – في النهى عن هذا التكشف والسفور، وهو أنه صلوات الله تعالى وسلامه عليه أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك؛- أولا-  ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك". قال ابن العربي: وإنما أمرها بالانتقال من بيت أم شريك إلى بيت ابن أم مكتوم لأن ذلك أولى بها من بقائها في بيت أمر شريك؛ إذ كانت أم شريك مؤثرة بكثرة الداخل إليها، فيكثر الرائي لها، وفي بيت ابن أم مكتوم لا يراها أحد؛ فكان إمساك بصرها عنه أقرب من ذلك وأولى، فرخص لها في ذلك، ومنه يتبين ثمة فرق بين الرجل والمرأة في هذا المقام من حيث إباحة النظر والقدر المنظور فقد استمر العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار، منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء. فدل ذلك على مغايرة الحكم بين الطائفتين. وقد كن يحضرن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال، ولو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلى ولأنه قد أمرت النساء بالحجاب عن الرجال، ولم يؤمر الرجال بالحجاب..
ولا مصلحة متيقنة ولا مظنونة لهذا الزوج من وراء بروز امرأته حاسرة الرأس أو غير حاسرة الرأس عند تواجد هذا الصديق، وحتى لو وجدت مصلحة أيا ما كانت فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإذا كانت الغاية مشروعة فلا بد أن تكون الوسيلة إليها مشروعة، وكم جرَّ هذا الاختلاط الآثم بين الرجال والنساء عند الزيارات العائلية ومحافل المهرجنات، بل حتى فى دور العلم والدراسة – أقول كم جرَّ هذا من مفاسد وأضرار، بل لقد جرَّ فتيل النار والعار والدمار إلى هؤلاء المختلطين.
وعليه يتحتم على السائلة أن تتأدب بآداب الشرع الشريف فلا يباح لها شرعاً أن تكشف وجهها أمام هذا الصديق ولا أن تكشف رأسها ولا شعرها ولا شيئا من جسدها أمامه، وإن ترتب على ذلك غضب زوجها كما تقول، بل لا يجوز شرعاً أن تصافحه إن كانت شابة وخشيت الفتنة من ذلك, وإن رغب هذا الصديق منها ما ذكر  فبئست صداقته وبعداً لمودته, وسحقا لمعرفته، إذ ليس من العقل ولا من الدين أن تفعل ما يرضيه وتغضب الله تعالى خالق السماوات والأرض والنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويقول صلوات الله وسلامه عليه: " من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه, وأرضى عنه الناس, ومن التمس رضا الناس بسخط الله, سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، وقال أيضاً: " من تحبب إلى الناس بما يحبونه وبارز الله تعالى لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان" إلى غير ذلك مما يطول ذكره ويكثر بسطه.
وقيل: من خاف الله تعالى جل، ومن خاف الناس ذل. وقيل: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء. وما معنى هذه الصداقة التي توقع صاحبها في الويلات وتجره إلى المنكرات لأنها ليست لله ولا من دين الله في شيء.
فاللهم أصلح شأن عبادك المؤمنين ووفقهم للعمل بشرع نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يفوتنا أن نختم إجابتنا على هذا السؤال بالشكر الجزيل والدعاء بالتوفيق لهذه السائلة الطاهرة النقية على شغفها بالشرع الشريف وسؤالها عن آداب دينها، كما نسأله تعالى أن يكثر من مثيلاتها في الأمة الإسلامية، كما نرجو الله تعالى لبعلها الهداية والتوفيق لاتباع تعاليم الدين الحنيف بالغيرة على عرضه  وشرفه، وإلتزامه السلوك القويم عند تواصله الاجتماعي وسائر شؤونه، إنه سميع مجيب.
إن من خصائص الاجتماع النظر والاستماع فإذا ثبتت حرمتهما ثبتت بالضرورة حرمة الاجتماع. أما عن ثبوت حرمتهما فقد قال تعالى:" قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"[النور:30-31] وقد خص الله سبحانه وتعالى الإناث هنا بالخطاب في قلوه تعالى:"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن "على طريق التأكيد؛ وإلا فإن قوله تعالى "قل للمؤمنين" يكفي؛ لأنه قول عام يتناول الذكر والأنثى من المؤمنين، حسب كل خطاب عام في القرآن الكريم، وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب؛ كما أن الحُمى رائد الموت. وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
ألم تر أن العين للقلب رائد          فما تألف العينان فالقلب آلف
وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل؛ فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة إلى الرجل؛ فإن علاقتها به كعلاقته بها؛ وقصدها منه كقصده منها. وفي صحيح مسلم منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ الله عنه - : عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُتِبَ عَلَىَ ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَىَ وَيَتَمَنَّىَ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ". صحيح البخاري كِتَاب الِاسْتِئْذَانِ. باب زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ. وصحيح مسلم  كتاب القدر. باب قدر علي ابن آدم حظه من الزنى وغيره.  
وكل من ذُكر في هذه الآية الكريمة من سورة النور محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، ولكن من غير تبرج. فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله، فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له؛ أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد؛ فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها. وهؤلاء الأصناف الاثنا عشر الذين يباح للمرأة أن تظهر عليهم بزينتها ليس منهم طلبة الجامعة ولا أبناء الأعمام ولا العمات ولا الأخوال ولا الخالات. ولا زوار البيت ولا الجيران ولا الأصدقاء ولا...ولا أقارب الزوج كأخيه  أو أبناء أعمامه وعماته وأخواله وخالاته؛ لما قد ثبت في الصحيحين منْ حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ الله عنه - :أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَىَ النِّسَاءِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ". صحيح البخاري كِتَاب النِّكَاحِ. باب لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةِ.وصحيح مسلم.  كتاب السَّلام.  باب تحريم الخلوة بالأجنبيَّة، والدُّخول عليها.  
وقد اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم. والأختان أقارب زوجة الرجل. والأصهار يقع على النوعين هذا والأخوة في الآية الكريمة من سورة النور المراد بها أخوة النسب والرضاع للحديث يحرم من النسب ما يحرم من الرضاع وإنما عنى الشرع بها أخوة النسب أو الرضاع لا أخوة الدين العامة ولا أخوة العلم ولا زمالة العمل واستثني من استثني في الآية الكريمة للزوم ملابستهم للمرأة داخل المنزل وخارجه وهي في ثياب بذلتها ومباشرة عملها وإرضاع ولدها ومهنة أهلها رفعا للحرج عنها ولعدم استغنائها عنهم حضرا ولا سفرا مع أمن الفتنة منهم فطرة وشريعة وعقلا وعرفا.
هذا والأمر بغض البصر في آيتي النور للوجوب وليس للندب،  وقال تعالى:" لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ." [الحجر:88] وقال تعالى:" وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى"[طه:131] ومن السنة النبوية شق الوحي الثاني ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا" وقبض على نصف الذراع. قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة؛ يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عَائِشَةَ: "أنّ أسْمَاءَ بِنْتَ أبي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: يَا  أسْمَاءُ إنّ الْمَرْأةَ إذَا بَلَغَتِ المَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ لَها أنْ يُرَى مِنْهَا إلاّ هَذَا وَهَذَا، وَأشَارَ إلى وَجْهِهِ وَكَفّيْهِ". سنن أبي داود كتاب اللباس. باب فيما تبدي المرأة من زينتها.  فهذا أقوى من جانب الاحتياط؛ ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه. وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك.
لقد كانت توجيهات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة حذارا من الافتتان ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً، واحتج كثير منهم بما روي عن أم سلمة أنها كانت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "احتجبا منه" فقلت: يا رسول اللّه أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أو عمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه" (أخرجه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح" وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغضّ بصره إلا أخلف اللّه له عبادة يجد حلاوتها".
وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم من تركه مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه" (أخرجه الطبراني عن ابن مسعود مرفوعاً). وروى الجصاص عن أنس - رَضِيَ الله عنه – قال قال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – ابن آدم لك أول نظرة وإياك والثانية" وإياك للوعيد ولا وعيد إلا على  ترك الواجب فيكون الامتناع عن النظر واجب؛ وعليه فالنظر محرم . لحديث أم سلمة - رَضِيَ الله عنها – وللآيتين من سورة النور ولحديث " النظر سهم من سهام إبليس.." والإجماع على أن محل إباحة النظر إلى الوجه والكفين عند أمن الفتنة.
هذا والأمر بالحجاب في آية النور ليس للندب ولكنه للوجوب لسوق الكلام بأسلوب جازم لا يدرك منه أهل البصر والبصائر بكتاب الله العزيز إلا الوجوب ولآيات أخر من كتاب الله تعالى قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً"[الأحزاب:59] أي يعرفن بالعفة والصيانة فلا يتعرض لهن أحد، ثم ألم تر كيف أمر الله تعالى بإرخاء الحجاب بينهن وبين الرجال فقال تعالى:" وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ"[الأحزاب:53] وقال تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"[الأحزاب:33]وهذا الحكم عام للمؤمنات وليس خاصا بأمهات المؤمنين كما هو مقرر في الأصول، وقد نص على ذلك الجصاص وغيره ممن تكلموا في آيات الأحكام، وعليه عمل الصحابة والسلف - رَضِيَ الله عنه – وهم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – أعلم.
وعن علي كرم الله وجهه أنه قال:"واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب أبقي عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وان استطعت ألا يعرفن أحدا غيرك فافعل، ولا تمكن المرأة مما جاوز قبتها، فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة"، وكان الحسن رحمه الله يقول " أتدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق، قبح الله تعالى من لا يغار". هذا والحجاب الذي أمر الله تعالى به ومن صوره عدم الاختلاط إنما يقصد بذلك منع الفتنة وحسم مادة الفساد وبذرة الشر وجرثومة المرض. وقد وصف النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – الحجاب الذي يصور تقاطيع الجسم ويرسم أعضاء المرأة ويحددها بالقدر الذي تقع به الفتنة أشد من العري أو يكاد فقال - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ- كما في صحيح مسلم  كتاب اللِّباس والزِّينة. باب النِّساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات.  منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ، عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ، مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
وكلما كان الثوب ساترا كان دالا على وفور الدين وكمال الإيمان، في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره" قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". فتأويله صلى الله عليه وسلم القميص بالدين مأخوذ من قوله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير". والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالثياب؛ كما قال شاعرهم: ثياب بني عوف طهارى نقية
ولا يعنى ذلك الحجر على المرأة ومنعها من قضاء حوائجها والسعي في مصالحها، قال عمر رضي الله عنه: ما يمنع المرأة المسلمة إذ كانت لها حاجة أن تخرج في أطمارها أو أطمار جارتها مستخفية، لا يعلم بها أحد حتى ترجع إلى بيتها.‏ وفي الصحيح منْ حديث أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ .قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لِهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا". صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين. باب ذكر إباحة خروج النِّساء في العيدين إلى المصَلَّى وشهود الخطبة، مفارقات للرِّجال.  
هذا ولم يكتف الشرع بتحريم النظر إلى رأس المرأة وما عليها من شعر والأذن وما بها من قرط والصدر وما قد يحلى به من وشاح ! بل قد زجر بصريح الكلام حتى عن الاستماع إلى وسوسة الحلي، ورنة الحجال قطعا لأسباب الفتنة وحسما لمادة الشر كما حرم كل ما فيه مظنة التهمة ؛ وكل ما يثير كوامن الشهوة وسواكنها مثل لين الكليم والخضوع فيها والتكسر في المشية فقال تعالى: " إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً" [الأحزاب:32] ونهى القواعد من النساء عن التبرج مع فتور رغبتهن في الرجال وضعف ميلهن إليهم وحبب إليهن التستر والاستعفاف قال تعالى: " وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"[النور:60]
من هذا كله نرى أن الإسلام قد ضرب على أعراض النساء أستار الأدب ووضع الحواجز بينهن وبين ذئاب البشر أن يمسوا وجدانهن الرقيق أو يثيروا في وجوههن خجلا. هذا وقد شمل تحريم الاختلاط دور العلم ومعاهده ومراكزه ففي الصحيح " غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَتَيْنِ فَقَالَ وَاثْنَتَيْن"صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ فِي الْعِلْمِ. منْ حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ الله عنه - قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "غلبنا.." وفي رواية فقال - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - : " موعدكن بيت فلانة " فأتاهن فحدثهن.
هكذا كان ترتيب الدروس ودور العلم في خير عهد من عهود هذه الأمة وفي باكورة خير القرون، ولم تكن أساليب الأنوثة يومها كاليوم، ولم تكن النساء في القديم ذلك الزمان كنساء اليوم حديثا، ولم يكن اللحاظ بهذا الامتداد ولم تكن الصدور بهذه الفتنة، كما أن القدود لم تكن بهذا الإغراء! ولم تكن البيئة مشبعة مترعة بالرغائب مليئة بالفتن والمجون والاستهتار وإن وقع بصرك على موضع من الأنثى فليس يفتن أو ليس يثير كاليوم وكانت المرأة يومها امرأة، لكنها قاصرة الطرف غافلة والرجال مؤمنون محافظون لا يعرفون شيئا مما يعرف اليوم من الغمز والرمز في غير حياء، قالت عائشة - رَضِيَ الله عنه - لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ" ‏صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة . أي لو رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ من الزينة والطيب وحسن الثياب لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ.
من هذه النصوص والآثار وغيرها نستنتج أن الفصل وعدم الاختلاط أتقي وأنقى وأطهر وأقدس وأنزه ولولا الدليل الخارجي الذي يبيح للمرأة الحج بمشهد الرجال لحرم عليها الحج.. هذا ما النتيجة التي تترتب على وضع الحديد بجانب المغناطيس ؟؟!! ما النتيجة التى تترتب على وضع البنزين على مقربة من النار الموقدة؟؟!! مما لا شك فيه أن دواعي الفتنة تقوى يوما بعد يوم ومرغباتها شديدة ملحة في المدرسة وسائر دور العلم وفي الشارع وباقي أماكن التجمعات ولا سبيل إلى مقاومة هذه النوازع إلا بقطع أسباب الفتنة من جذورها قدر المستطاع، قال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له". رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.‏ من حديث معقل بن يسار .
إن من حكومات الغرب من فصلت بين البنين والبنات بين الفتيان والفتيات في دور العلم وجعلت لكل منهما أسلوبا خاصا في التعليم والتربية وهذه بضاعتنا ونحن أولى بها للطهر والعفاف. فإن نعمة العلم من أفخر وأجل النعم وأجزل القسم ومن أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً. إن صحبه عمل وإلا فقد ضل سعي صاحبه وبطل وقال الشافعي: "من شرف العلم أن كل من نسب إليه ولو في شيء حقير فرح، ومن رفع عنه حزن"، وقال الأحنف: "كل عز لم يؤيد بعلم فإلى ذل مصيره".
هذا والدعاوى إذا لم يقم عليها أصحابها بينات فهم أدعياء؛ وعليه فدعوى العلم والفهم في الدين مردودة على أصحابها إذا تناقض سلوكهم وواقعهم مع مفاهيم الدين وقيمه ومثله، إذ  الدين سلوك مبني على فهم وعلم لنصوص كثيرة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وأمثال هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل " أَسْمَع كلامك أُصَدِّقك، أشوف أمورك أستعجب"، ولقد منع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الاختلاط حتى في مجالس العلم وفي الزيارات العائلية وفي المعايشة والإقامة والسكن بنصوص كثيرة يطول الحديث بذكرها، وفي الصلاة كان للرجال صفوفهم وللنساء صفوفهن، وكانت الخيرية في صفوف الرجال لمن بعد عنهن وفي صفوف النساء لمن بعدت بهن الصفوف عن الرجال، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. كل ذلك نأيا عن أسباب الفتنة ودواعيها وإغلاقا لباب الشر والمعصية وعونا على الطاعة والاستقامة "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".
هذا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النصيحة يتطلب قدرا عاليا من الصبر والتحمل والاحتساب فالناس أسرى عاداتهم وأعداء لما يجهلون فمن جهل شيئا عاداه، ولهذا قال تعالى " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" شفع الأمر بالتواصي بالحق بالأمر بالتواصي بالصبر من حيث كان وقوع الأذي والتجبيه محتملا. مرّ سالم بن عبد اللّه بن عمر-  رَضِيَ الله عنهم - على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال: إن هذا منهي عنه، فقالوا: نحن أعلم بهذا منك، إنما يكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا فلا بأس به، فسكت سالم وقال: "وأعرض عن الجاهلين". هذا وبالله التوفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق