كما
لرأس المال آليات إبداع جرائمه في الاحتلال والاستيطان والنهب والتسويق
وحقن الناس
بالاستهلاكية، وتصوير الجهل علماً والغباء وعياً، فالإنسانية قادرة على
إبداع
أساليب المقاومة، وبالطبع، رغم رقي الكفاح المسلح وأممية هذا الكفاح، فإن
كل نضال
في مجاله ولحظته وموضعه هو نضال حقيقي، فاللحظة هامة والكلمة في وقتها
قذيفة.
هذا ما
شدَّني بعنف
إلى سيدة أميركية بيضاء بالطبع ضمخت يديها بلون الدم، وهي تواجه كوندوليزا
رايس
(السمراء - بالطبع أيضاً) قائلة لها "مجرمة حرب"، وكما تبدو رايس في
الصورة، فهي
مغتاظة إلى درجة الإغماء، وإن زعمت وكالة "رويترز"، التي باعت الصورة، أن
رايس لم
تتأثر، ويبدو أن محرر "رويترز" لم يقرأ الملامح ولم يفهمها هذه المرة،
وربما يعود
ذلك إلى ظاهرة جديدة في عالم السياسة حيث يتسم السلوك إما بالصراخ أو
القتل/ وعلى
أية حال، هذه إحدى سمات بربرية العولمة.
لو كان لنا
عقد مقارنة
بين موقف هذه السيدة وبين موقف وزيرات عربيات وممثلات مسلسل لم أفهمه حتى
اللحظة
"المجتمع المدني والجندر وتمكين النساء..."، ومواقف نساء "الأنجزة"
العربية،
والأكاديميا اللائي يتمنين التمسح بالدمية السمراء كما لو كانت الحجر
الأسود! هذا
مع العلم أن السيدة رايس هي أخطر وأشد النساء عداوة للمرأة العربية، فهي
ممثلة
سياسة ومصالح طبقة حاكمة في أميركا، وهي طبقة تحكم الغرب بأجمعه، وضمن هذه
السياسة
تدعم وتوجه وتقوي هذه السيدة تلك "الأنظمة الذكورية" في الوطن العربي،
أنظمة تابعة
وحريصة على التبعية، أنظمة تعتبر المرأة شيئاً ما لمتعة الرجل بالاغتصاب
المسمى
شرعاً، فالمرأة في الوطن العربي لا تملك حق اختيار التصرف بجسدها، والمشكلة
لا
تتوقف عند الجسد، فهو كما يقولون فانٍ، المشكلة هي في الوعي والمشاعر
والقرار،
فالاغتصاب هو أساساً في الوعي والمشاعر وليس في الجسد!!
ما موقف
هاتيك النسوة
المرسومات رسماً من برجوازيات وطننا اللائي يعرفن جيداً أن من يملكوهنًّ
ويتصرفون
بهنً كالمتاع، وأحياناً يستبدلوهن بالغلمان، ناهيك عن الجواري، وتعدد
الزوجات
والخليلات، ما موقفهن حينما يرين أزواجهن أو "أسيادهن" ينحنون بذلٍ بادٍ،
وليس بنمط
انحناء البرجوازي الغربي لنساء المجتمع الأرستقراطي وهو انحناء مثابة فخٍ،
أو دجل
أو دعاية انتخابية، لا احتراماً، لهذه السيدة التي حقاً ترشح دماً من هذا
الوطن
وغيره!
فالسياسة
الأميركية
في المنطقة تقوم على ثلاث درجات:
الدرجة
الأولى:
تثبيت وتوسيع وتأبيد النهب "التفشيط" الأميركي للوطن العربي، والذي تأدباً
ودجلاً
يسمونه "مصالح".
الدرجة
الثانية:
تمكين الكيان الصهيوني من مواصلة ابتلاع بقايا فلسطين والعربدة في الوطن
العربي
و"الشرق الأوسط" بأسره.
والدرجة
الثالثة:
تمكين الأنظمة العربية من البقاء على صدر الأمة، وبالتالي تمكين الرجل
العربي من
البقاء على عنق المرأة.
لقد زارت
رايس الأرض
المحتلة، ومعظم الأقطار العربية، فهل رمتها النسائيات بالبيض الفاسد؟ هل
خرجت
مظاهرة واحدة تندد بزيارتها، هل كتب أحد منهم/منهن مجرد مقالة تكشف عمق
جريمتها؟
وبعد هذا،
يتحذلق كتاب
ومثقفون عرب، بأن "كل" الغرب عنصري، يكره العرب والمسلمين، ويؤيد
الصهيونية.
كلا، أيها
السيدات
والسادة، الغرب متنوع ككل الدنيا، كما أن الغرب وغير الغرب، لا يحترم من لا
يحترم
نفسه، كان الأجدر أن تقف سيدة مخملية عربية لتطلي وجه السيدة رايس بالأحمر،
لأن
الدماء العربية التي أسالتها الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة أكثر
بكثير من
دماء الأميركيين الجهلة والضالين والمضللين الذين ذهبوا إلى مختلف بلدان
العالم
لمهمة واحدة ووحيدة هي القتل، لذلك، قُتلوا وديسوا، ذات مرة، قالت السيدة حنان
عشراوي لجريدة صهيونية: "حينما أرى صورة صدام حسين، أُصاب الغثيان"،
لا
بأس أيتها السيدة المتقدمة في الحسِّ، ولكن لماذا "تلهطين" هذه السيدة
الممعنة في
القتل حتى الثمالة!
لقد احتجزت
الشرطة
الأميركية تلك السيدة ربما لساعات وربما أكثر، ولكن من المؤكد أن الـ(أف بي
آي)
ستتابعها حتى آخر عمرها، فهل فكرت "لجان حقوق الإنسان العربية" في كتابة
رسالة
احتجاج على اعتقالها، أو توجيه سلسلة من الرسائل عبر الإنترنيت، أم أن هذا
الشكل
الحضاري لمَّا نستخدمه بعد، وإنما نستخدمه "للدردشة، والمجاملات، والنميمة،
والتطبيع بالطبع.
توم لانتوس،
من
كاليفورنيا، وهو رئيس لجنة الخارجية في كونغرس روما، صرخ قائلاً للشرطة
"إلى
الخارج" ولا شك أن جلاوزة الشرطة قد حملوها كما لو كانت قشَّة، فالولايات
المتحدة
تختار الشرطة من أجسام رياضية كما لو كانت مهمتهم هي تأديب الناس وليس
تهذيبهم، وهم
رجال ونساء تحرك عضلاتهم عقولهم...أحلام العصافير وشعور بالعبقرية!
توم لانتوس،
لم يأبه
بثلاثة ملايين عربي وعشرات الملايين من بلدان "العالم الثالث" الذين
"يحملون"
الجنسية الأميركية، ولا تحملهم هي! فلو كان لهؤلاء وزناً لما تجرَّأ لانتوس
على هذا
الموقف وغيره، ولما تجرأت السيدة السمراء التي لوت وزمَّت شفتيها كما لو
كانت أفعى
احتفظت "مرغمة" على حصر السم في نابيها، وطالب بتفريق المحتجين، وهذا شديد
الأهمية
للعرب الذين لا يقرأون ما يدور في العالم، بمعنى أن الاحتجاج ضد سياسة روما
المعاصرة والمعولمة حالة تتسع في المركز رغم القمع "الديمقراطي" هناك! قمع
بدراية،
وتقنية، لكنه قمع مديد، قادر على خصي الثورة، ومع ذلك شكراً لهن/م فهم
يحتجون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق